الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم. {ما كُنّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ:} في عدادهم، وجملتهم، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لقد ندم الفاجر يوم القيامة، (قالوا لو كنّا نسمع، أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير)»، فقال الله تعالى:
{فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ}.
هذا؛ والفعل: «سمع، يسمع» من الأفعال الصوتية، إن تعلق بالأصوات تعدى إلى مفعول واحد، وإن تعلق بالذوات تعدى إلى اثنين؛ الثاني منهما جملة فعلية مصدرة بمضارع من الأفعال الصوتية، مثل قولك: سمعت فلانا يقول كذا. وهذا اختيار الفارسي، واختار ابن مالك، ومن تبعه أن تكون الجملة الفعلية في محل نصب حال؛ إن كان المتقدم معرفة، مثل قولك: سمعت زيدا يقول كذا. وصفة؛ إن كان نكرة، مثل قولك: سمعت رجلا يقول كذا.
وأما «العقل» فإنه نور روحاني، تدرك به النفس ما لا تدركه بالحواس الظاهرة، وكثيرا ما يتبجح بعض الناس، فيسأل: أين يوجد العقل؟ فهذا تبجح لا مبرر له، وانظر شرح (النفس) في الآية رقم [٢] من سورة (القيامة). وسمي العقل عقلا؛ لأنه يعقل صاحبه؛ أي: يمنعه من فعل الرذائل، والقبائح، لذا فإن كل شخص لا يسير على الجادة المستقيمة لا يكون عاقلا بالمعنى الصحيح. وخذ ما يلي. فقد قال الشاعر: [البسيط]
لم يبق من جلّ هذا النّاس باقية... ينالها الوهم إلاّ هذه الصّور
لا يدهمنّك من دهمائهم عدد... فإنّ جلّهم، بل كلّهم بقر
يقول: لا يدهمنّك من جماعتهم الكثيرة، فهم عدد كثير ليس فيهم غناء ونصرة؛ لأن كلهم كالأنعام والبهائم، ولله در القائل: [المنسرح]
لا يدهمنك اللّحاء والصّور... تسعة أعشار من ترى بقر
في شجر السّرو منهم شبه... له رواء ما له ثمر
ورضي الله عن حسان بن ثابت؛ إذ يقول في بني عبد المدان: [البسيط]
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم... جسم البغال وأحلام العصافير
فقد ورد أن رجلا معتوها مرّ على مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم: هذا مجنون! فقال سيد الخلق، وحبيب الحق، الناطق بالصدق: «هذا مصاب، إنما المجنون من أصرّ على معصية الله تعالى». هذا؛ والعقل: الدية، سميت بذلك؛ لأن الإبل المؤداة دية تعقل بباب القتيل، والعقال بكسر العين: الحبل الذي تربط به ركبة الجمل عند بروكه؛ ليمنعه من القيام والمشي، والعقال أيضا: صدقة عام، قال شاعر يهجو عاملا على الصدقات في عهد بني أمية: [البسيط]