للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: نتوب إلى الله، ونذر ما بقي من الرّبا، فتركوه كلّهم. ذكره ابن جريج، ومقاتل، والسدّيّ. وخذ ما يلي:

فعن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير، والتّمر بالتّمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد». أخرجه مسلم، رحمه الله تعالى. فنصّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جريان الرّبا في هذه الأشياء الستّة.

هذا وأما (ذر) فهو بمعنى: أعرض، واترك، والمستعمل من هذه المادة: المضارع، والأمر فقط، ومثله: (دع) ومضارعه: يدع، فكلا المادتين ناقص التصرّف، وهما بمعنى الترك والإعراض، وقد سمع سماعا نادرا الماضي منهما. فقالوا: ودع ووذر بوزن وضع، إلا أن ذلك شاذ في الاستعمال؛ لأن العرب كلهم إلا قليلا منهم أميت هذا الماضي من لغاتهم، وليس المعنى: أنهم لم يتكلموا به البتة، بل تكلموا به دهرا، ثمّ أماتوه بإهمالهم استعماله، فلمّا جمع العلماء ما وصل إليهم من لغات العرب؛ وجدوه مماتا، إلا ما سمع منه سماعا نادرا، فقد قرئ قوله تعالى في سورة (الضّحى): («ما ودعك ربّك وما قلى») بالتّخفيف، وقال الشاعر: [الطويل]

وثمّ ودعنا آل عمرو وعامر... فرائس أطراف المثقّفة السّمر

وقال آخر: [الرمل]

ليت شعري يا خليلي ما الّذي... نما له في الحبّ حتّى ودعه

وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «دعوا الحبشة ما ودعوكم». وسمع المصدر منه في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو لأحرّقنّ عليهم بيوتهم» أي: عن تركهم إيّاها، وسمع منه اسم الفاعل، واسم المفعول في أبيات من الشعر، قال خفاف بن ندبة-رضي الله عنه-: [الطويل]

إذا ما استحمّت أرضه من سمائه... جرى وهو مودوع وواعد مصدّق

هذا رأي أكثر النّحاة. وقال محبّ الدين الخطيب شارح شواهد الكشّاف-رحمه الله تعالى-: فقد رويت هذه الكلمة، أي: (دع) عن أفصح العرب-يقصد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم-ونقلت عن طريق القراء، فكيف تكون إماتة؟ وقد جاء الماضي في بعض الأشعار، وما هذه سبيله، فيجوز القول بقلّة الاستعمال، ولا يجوز القول بالإماتة، وأضيف: إن كثيرا من النّحاة يقولون في ماضي: (عم ويعم) ما قيل في ماضي (دع، وذر) وخذ قول امرئ القيس وهو الشاهد رقم [٣٠٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد رقم [٨٥] من كتابنا فتح ربّ البرية: [الطويل]

ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي... وهل يعمن من كان في العصر الخالي؟

وهل يعمن من كان أحدث عهده... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال؟

<<  <  ج: ص:  >  >>