تميد، وتتكفأ؛ لما كانت منقادة لنا، ولما استطعنا الانتفاع بها بالزرع، والغرس، وشق العيون، والأنهار، وحفر الآبار.
{فَامْشُوا فِي مَناكِبِها} أي: في نواحيها، وجهاتها، وأطرافها. وقيل: طرقها، وفجاجها. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: جبالها، وآكامها. {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} أي: الذي خلقه الله لكم في الأرض على اختلاف أنواعه، وتفاوت طعومه، وألوانه، وأشكاله. {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أي: وإليه تبعثون من قبوركم، فيسألكم عن شكر ما أنعم به عليكم.
هذا؛ وفي الآية الكريمة حث على طلب الرزق، والسعي في تحصيله، وهو لا ينافي التوكل، والأمر في الجملتين للإباحة، أو للندب، كيف لا؛ والرسول صلّى الله عليه وسلّم قد رغب، بل وحث على العمل والسعي في طلب الرزق، فمن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الله يحبّ المؤمن المحترف».
رواه الطبراني عن ابن عمر-رضي الله عنهما-. وقوله صلّى الله عليه وسلّم أيضا:«من أمسى كالاّ من عمل يده أمسى مغفورا له». رواه الطبراني عن عائشة-رضي الله عنها-. وقد مر عمر-رضي الله عنه- بقوم جالسين، فقال: من أنتم؟ فقالوا: نحن المتوكلون، فقال: بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكّل من ألقى حبّه في بطن الأرض، وتوكّل على ربّه، عز وجلّ. وروي: أنه دخل المسجد في غير وقت صلاة، فوجد رجلا جالسا في المسجد، فسأله: ماذا تعمل؟ فقال: أذكر الله، فعلاه بالدّرّة، وقال: لا يقعدنّ أحدكم عن طلب الرزق؛ ويقول: اللهم ارزقني، فإن السماء لا تمطر ذهبا، والأرض لا تنبت فضة!
وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«لو أنكم تتوكّلون على الله حقّ توكّله؛ لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا». رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. ولعلك تدرك معي: أن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «تغدو، وتروح» دليل على السعي، والكسب، فهي لم تبق في أعشاشها؛ ويرزقها الله، بل خرجت منها صباحا تبحث عنه. وهو معلوم لدى كل عاقل.
الإعراب:{هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين. {جَعَلَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {الَّذِي} وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {لَكُمُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما وقيل: متعلقان ب: {ذَلُولاً} ولا وجه له. {الْأَرْضَ:} مفعول به أول. {ذَلُولاً:} مفعول به ثان على اعتبار الفعل من أفعال التحويل بمعنى صيّر، وحال إن كان {جَعَلَ} بمعنى: خلق.
{فَامْشُوا:}(الفاء): حرف عطف على رأي: من يجيز عطف الإنشاء على الخبر، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط يقدر ب:«إذا». (امشوا): فعل