للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونون في الآخرة، فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم، مفض به إلى الجنة الفيحاء، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم. انتهى. هذا؛ وخذ قوله عز وجل في سورة (الإسراء) رقم [٧٢]: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً،} وقوله فيها أيضا رقم [٩٧]: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا،} وقوله في سورة (الفرقان) رقم [٣٤]: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً} انظر شرح هذه الآيات في محالها، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ و {مُكِبًّا} اسم فاعل من: أكب الرباعي، وهو لازم بينما يكون متعديا من الثلاثي، قال امرؤ القيس-وهو الشاهد رقم [٣٥٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [المتقارب]

لها متنتان خظاتا كما... أكبّ على ساعديه النّمر

وهو خارج عن قاعدة تعدية اللازم بالهمزة، كما في قولك: ذهب زيد، وأذهب زيد عمرا، وخرج، وأخرج. ومثله: أنزفت البئر، ونزفتها أنا، وأنسل ريش الطائر، ونسلته أنا. ومن المتعدي بدون همز قول النبي صلّى الله عليه وسلّم، من حديث معاذ بن جبل-رضي الله عنه-الطويل، وهو مشهور: «وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم». وقد أخرجه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأيضا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من ولي أمة من أمّتي، قلّت، أو كثرت، فلم يعدل فيهم؛ كبّه الله على وجهه في النّار». رواه الطبراني، والحاكم عن معقل بن يسار-رضي الله عنه-.

{عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:} على طريق ثابت، والصراط: الطريق، وهو يستعار للدين القويم، كما في صدر سورة (يس)، وكما في سورة (الفاتحة) وسمي الدين: طريقا؛ لأنه يؤدي إلى الجنة، فهو طريق إليها، وهو يقرأ بالصاد، والسين، والزاي، ويذكر ويؤنث، والأول أكثر. هذا؛ وأصل {مُسْتَقِيمٍ:} مستقوم؛ لأنه من: استقام، وهو أجوف، واوي، فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف بعد سلب سكونها، ثم قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة، فصار {مُسْتَقِيمٍ}. بعد هذا لا تنس الاستعارة التمثيلية في الآية الكريمة؛ حيث يمشي المؤمن في حياته وبعد مماته على صراط مستقيم، والكافر يمشي ويتعثر في الدنيا، وفي الآخرة يسحب على وجهه إلى طريق الجحيم، ما أحسنها، وما أروعها من استعارة!

حيث شبه المؤمن في تمسكه بالدين الحق، ومشيه على منهاجه بمن يمشي في الطريق المعتدل، الذي ليس فيه ما يتعثر به، وشبه الكافر في ركوبه، ومشيه على الدين الباطل بمن يمشي في الطريق، الذي فيه حفر، وارتفاع، وانخفاض، فيتعثر، ويسقط على وجهه، كلما تخلص من عثرة؛ وقع في أخرى، فالمذكور في الآية هو المشبه به، والمشبه محذوف، لدلالة السياق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>