للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكشف، ويتغطى. وقيل: يكشف عن نوره عز وجل. وروى أبو موسى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {عَنْ ساقٍ} قال: «يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا».

وقال أبو الليث السمرقندي في تفسيره: حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا ابن منيع، قال: حدثنا هدبة، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عدي بن زيد، عن عمارة القرشي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: حدثني أبي، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا كان يوم القيامة مثّل لكلّ قوم ما كانوا يعبدون في الدّنيا، فيذهب كلّ قوم إلى ما كانوا يعبدون، ويبقى أهل التوحيد، فيقال لهم: ما تنظرون، وقد ذهب الناس؟ فيقولون: إن لنا ربّا كنّا نعبده في الدنيا، ولم نره، قال: وتعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقال: فكيف تعرفونه، ولم تروه؟ قالوا:

لا شبيه له، فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إلى الله تعالى، فيخرّون له سجدا، وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر، فينظرون إلى الله تعالى، فيريدون السجود، فلا يستطيعون، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ..}. إلخ، فيقول الله تعالى: عبادي! ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلت بدل كلّ رجل منكم رجلا من اليهود، والنصارى في النار». قال أبو بردة: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-فقال: الله الذي لا إله إلاّ هو لقد حدّثك أبوك بهذا الحديث! فحلف له ثلاثة أيمان، فقال-رضي الله عنه-: ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحب إليّ من هذا!.

وفي الكشاف: فمعنى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ} في معنى: يوم يشتد الأمر، ويتفاقم، ولا كشف ثمّ ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثمّ، ولا غل، وإنما هو مثل في البخل. وأما من شبّه؛ فلضيق عطنه، وقلة نظره في علم البيان. والذي غره منه حديث ابن مسعود-رضي الله عنه-: «يكشف الرحمن عن ساقه، فأمّا المؤمنون؛ فيخرون سجدا، وأما المنافقون؛ فتكون ظهورهم طبقا طبقا كأن فيها السّفافيد». ومعناه: يشتد أمر الرحمن، ويتفاقم هوله، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة، انتهى. وهذا الحديث مشهور يروى عن أبي سعيد الخدري وغيره، وهو عند الشيخين من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم، والسفافيد جمع: السفود وزن التنور، وهو الحديدة التي يشوى بها اللحم.

وجملة القول: إن الآية من المتشابهات، وفيها مذهبان: مذهب السلف، ومذهب الخلف، فالسلف يقولون: لله ساق تليق به لا نعرفها، ومذهب الخلف التأويل كما رأيت فيما سبق، ومذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم.

الإعراب: {يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل {فَلْيَأْتُوا،} أو هو متعلق بفعل محذوف، تقديره:

اذكر يوم. وقال أبو البقاء: وقيل: العامل فيه {خاشِعَةً}. انتهى. ولا وجه له. {يُكْشَفُ:} فعل مضارع مبني للمجهول، {عَنْ ساقٍ:} متعلقان بالفعل {يُكْشَفُ،} وهما في محل رفع نائب فاعله،

<<  <  ج: ص:  >  >>