للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ}. ويؤيده قوله تعالى في سورة (الصافات): {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. وقيل: أي: رحمة من ربه، فرحمه، وتاب عليه.

{لَنُبِذَ:} لطرح. {بِالْعَراءِ:} الأرض الواسعة الفضاء، التي ليس فيها جبل، ولا شجر يستر.

وقال أبو عبيدة: العراء: وجه الأرض، وأنشد لرجل من خزاعة: [الكامل]

ورفعت رجلا لا أخاف عثارها... ونبذت بالبلد العراء ثيابي

{وَهُوَ مَذْمُومٌ} أي: لنبذ مذموما، ولكنه نبذ سقيما غير مذموم. وقيل: لولا فضل الله عليه لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، ثم نبذ بعراء القيامة مذموما. يدل عليه قوله تعالى في سورة (الصافات): {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.

قال الجمل: وفي الخطيب: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} أي: ملوم على الذنب. وقيل: مبعد من كل خير. وقال الرازي: وهو مذموم على كونه فاعلا للذنب. قال: والجواب من ثلاثة أوجه:

الأول: أن كلمة (لولا) دالة على أن هذه المذمومية لم تحصل. الثاني: لعل المراد من المذمومية ترك الأفضل، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. الثالث: لعل هذه الواقعة كانت قبل النبوة، لقوله تعالى: {فَاجْتَباهُ رَبُّهُ}. أقول: الثالث مردود، وغير مقبول أبدا، لقوله تعالى في سورة (الصافات): {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} تأمل، وتدبر.

جاء في الحديث: أنه لما قال: «لا إله إلاّ أنت سبحانك... إلخ». خرجت هذه الكلمة تحف حول العرش، فقالت الملائكة: ربنا هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة، فقال تبارك وتعالى: أما تعرفون هذا؟ قالوا: لا! قال: هذا صوت يونس، قالوا: يا ربنا عبدك، الذي لا يزال يرفع له عمل صالح، ودعوة مستجابة. قال: نعم. قالوا: أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء، فتنجيه من البلاء؟! فأمر الله الحوت، فألقاه بالعراء.

{فَاجْتَباهُ} أي: اصطفاه، واختاره. {فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ}. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-:

رد الله إليه الوحي، وشفعه في نفسه، وفي قومه. وقيل: قبل توبته. {فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ} بأن أرسله إلى مئة ألف، أو يزيدون بسبب صبره. انظر هذا، وغيره في سورة (الصافات) رقم [١٤٧]. هذا؛ والصلاح درجة عالية، ومكانة رفيعة، ولذلك سألها كثير من الأنبياء، والمرسلين.

انظر ما ذكرته في الآية رقم [١٠] من سورة (المنافقون) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

الإعراب: {لَوْلا:} حرف امتناع لوجود. {أَنْ تَدارَكَهُ:} فعل مضارع منصوب ب‍: {أَنْ،} والهاء مفعول به. {نِعْمَةٌ:} فاعله. {مِنْ رَبِّهِ:} متعلقان ب‍: {نِعْمَةٌ،} أو بمحذوف صفة لها، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف، التقدير: لولا مداركة الله إياه لحقته، أو استنقذته. {لَنُبِذَ:} (اللام): واقعة في جواب (لولا). (نبذ): فعل ماض مبني

<<  <  ج: ص:  >  >>