{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لمّا حرم الله الرّبا؛ أباح السّلم، وقال: أشهد أن السّلف المضمون إلى أجل مسمّى، قد أحلّه الله في كتابه، وأذن فيه. هذا وهي تتناول جميع المداينات إجماعا، وقال خويز منداد: إنّها تضمنت ثلاثين حكما. {بِدَيْنٍ:} تأكيد مثل قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ} وحقيقة الدّين عبارة عن كل معاملة، كان أحد العوضين فيها نقدا، والآخر في الذّمّة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضرا، والدّين ما كان غائبا، قال الشاعر:[الوافر]
لترم بي المنايا حيث شاءت... إذا لم ترمني في الحفرتين
إذا ما أوقدوا حطبا ونارا... فذاك الموت نقدا غير دين
{إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: معين معلوم، قال ابن المنذر: دلّ قوله تعالى على أنّ السّلم إلى الأجل المجهول غير جائز، ودلّت السّنّة على مثل معنى كتاب الله، فقد ثبت: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة، وهم يستلفون في الثّمار السّنتين، والثلاث، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«من أسلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم». رواه البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن ابن عباس-رضي الله عنهما-. وجوز المالكية السّلم إلى الحصاد، والجذاذ؛ لأن ذلك يختصّ بوقت، وزمن معلوم.
{فَاكْتُبُوهُ:} أمر منه تعالى بالكتابة للتوثقة، والحفظ، فأمر العباد أمر إرشاد لا أمر إيجاب، كما ذهب إليه بعضهم، قال ابن جريج-رحمه الله تعالى-: من ادّان فليكتب، ومن ابتاع، فليشهد؛ فقد روى الإمامان: الحافظ ابن مردويه، والحاكم في مستدركه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:«ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل له امرأة سيّئة الخلق فلم يطلّقها، ورجل دفع مال يتيم قبل أن يبلغ، ورجل أقرض رجلا مالا، فلم يشهد» قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، وقال قتادة-رحمه الله-ذكر لنا أنّ أبا سليمان المرعشي، كان رجلا صحب كعبا، فقال ذات يوم لأصحابه: هل تعلمون مظلوما دعا ربه فلم يستجب له؟ فقالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: رجل باع بيعا إلى أجل، فلم يشهد، ولم يكتب، فلما حلّ ماله جحده صاحبه، فدعا ربّه، فلم يستجب له؛ لأنه قد عصى ربّه.
{وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ} أي: بالقسط، والحق، ولا يجر في كتابته على أحد، ولا يكتب إلا ما اتفقوا عليه من غير زيادة، ولا نقصان، ومن غير تقديم أجل، أو تأخيره. قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها، عدل في نفسه مأمون.
{وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ:} ولا يمتنع كاتب من كتابة وثيقة بين المتداينين.
واختلف في وجوب الكتابة على الكاتب، والشهادة على الشاهد، فأحسن ما قيل: إنه فرض