مسكن الملائكة، فيلجئون إلى أطرافها وجوانبها. قال المفسرون: وذلك؛ لأن السماء مسكن الملائكة، فإذا انشقت السماء وقفوا على أطرافها فزعا مما داخلهم من هول ذلك اليوم، ومن عظمة ذي الجلال، الكبير المتعال. هذا؛ ولم يرد لفظ الأرجاء إلا في هذه السورة، ولم يستعمل هذه اللفظ إلا مجموعا، ولا يحسن المفرد (رجا) في موضع الجمع، كما لا يحسن الكوب موضع الأكواب، كما رأيت في سورة (الواقعة) رقم [١٨]. {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} أي:
ويحمل عرش الرحمن يوم القيامة ثمانية من الملائكة العظام فوف رؤوسهم. وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين، فكانوا ثمانية». ذكره الثعلبي. وذكر الماوردي نحوه، وفي الحديث:«إن لكل ملك منهم أربعة أوجه: وجه رجل، ووجه أسد، ووجه ثور، ووجه نسر، وكل وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس». ولما أنشد بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم قول أمية بن أبي الصلت:[الكامل]
رجل وثور تحت رجل يمينه... والنّسر للأخرى وليث مرصد
والشّمس تطلع كلّ آخر ليلة... حمراء يصبح لونها يتورّد
ليست بطالعة لهم في رسلها... إلا معذّبة وإلا تجلد
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«صدق». هذا؛ وانظر ما ذكرته في سورة (غافر) رقم [٧] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ وأما العرش؛ فقد قال الراغب في كتابه (مفردات القرآن): وعرش الله عز وجل مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، لا بالحقيقة، ليس هو كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك؛ لكان حاملا له، تعالى الله عن ذلك. انتهى. خازن. وقد قال سليمان الجمل: وأما المراد به هنا؛ فهو الجسم النوراني المرتفع عن كل الأجسام، المحيط بكلها، وانظر ما ذكرته في آية الكرسي رقم [٢٥٥] من سورة (البقرة).
هذا؛ وفي كثير من الآيات قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} ولا يجوز تفسيره ب: استقر، وثبت، فيكون الله من صفات الحوادث، وإنما يؤول باستولى، وهذا التأويل ينبغي أن يقال في كل ما يوهم وصفا، لا يليق به تعالى. والقول الفصل قول علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-:
الاستواء غير مجهول، والتكييف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، لأنه تعالى كان، فهو على ما كان قبل خلق المكان، والزمان، لم يتغير عما كان. والمنقول عن جعفر الصادق، والحسن البصري، وأبي حنيفة ومالك-رضي الله عنهم أجمعين-يشبه ذلك. هذا؛ وهناك من يقول: استوى استواء يليق به، وهو قول السلف. هذا؛ واستوى في سورة (القصص) رقم [١٤] بمعنى انتهاء الشباب، وتكامل العقل.
الإعراب:{وَالْمَلَكُ:}(الواو): حرف استئناف. (الملك): مبتدأ. {عَلى أَرْجائِها:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، و (ها) في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.