للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النار (بالكسر)، يصلى صليا؛ أي: احترق. وقال الجوهري: يقال: صليت الرجل نارا: إذا أدخلته النار، وجعلته يصلاها، فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الاحتراق، قلت: أصليته بالألف، وصليته تصلية، ويقال: صلي بالأمر: إذا قاسى حره، وشدته، واصطليت بالنار، وتصليت بها:

إذا استدفأت بها، وفلان لا يصطلى بناره: إذا كان شجاعا لا يطاق. هذا؛ وتقديم الجحيم يفيد الحصر، فيكون المعنى: ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى.

{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ:} وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة، {ذَرْعُها} أي: مقدارها، والذرع: التقدير بالذراع من اليد، أو غيرها. {سَبْعُونَ ذِراعاً:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: بذراع الملك. وقال نوف البكالي: سبعون ذراعا، كل ذراع سبعون باعا، كل باع أبعد ما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة، وقال الحسن: الله أعلم أيّ: ذراع؟

وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أن رضاضة مثل هذه (وأشار إلى مثل الجمجمة) أرسالات من السماء إلى الأرض (وهي مسيرة خمسمئة سنة) لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسالات من رأس السلسة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ قعرها، أو أصلها». رواه أحمد والترمذي، والبيهقي. هذا؛ والجمجمة: قدح من خشب، وجمعه: جماجم، والجمجمة: الرأس، وهو أشرف الأعضاء.

هذا؛ وقد جاء ذرعها هنا بمعنى: المقدار، ويأتي الذرع بمعنى: الوسع، والطاقة، انظر الآية رقم [٣٣] من سورة (العنكبوت)، أو الآية رقم [٧٧] من سورة (هود) على نبينا، وحبيبنا، وشفيعنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام وفي كلتيهما قوله تعالى: {وَلَمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً}.

{فَاسْلُكُوهُ} أي: أدخلوه فيها. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: تدخل في دبره، وتخرج من منخريه. وقيل: تدخل في فيه، وتخرج من دبره، فينادي أصحابه: هل تعرفوني؟ فيقولون:

لا، ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت؟ فينادي أصحابه: أنا فلان بن فلان، لكل إنسان منكم مثل هذا، والمعنى في تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية، أي: لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم.

(وفي زاده): ثم إن كلمة {ثُمَّ} والفاء الواقعين في الجملة الأخيرة، إن كانتا لعطف جملة:

{فَاسْلُكُوهُ} لزم اجتماع حرفي العطف على معطوف واحد، فينبغي أن تكون كلمة {ثُمَّ} لعطف قول مضمر على ما أضمر قبل قوله: (خذوه) أي: قيل لخزنة جهنم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} ثم قيل لهم: {فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها..}. إلخ، وتكون الفاء لعطف المقول على المقول، وثم لعطف القول على القول. انتهى. جمل.

أقول: وإذا اعتبرنا الفاء صلة؛ فلا حاجة إلى هذا التقدير، وإلى هذه الدندنة، ويكون الجار، والمجرور {فِي سِلْسِلَةٍ} متعلقين بالفعل (اسلكوه) ولا غضاضة في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>