والثاني: أن منفيها أقسم، وذلك على أن يكون إخبارا، لا إنشاء، واختاره الزمخشري.
قال: والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له، بدليل قوله تعالى في سورة (الواقعة):
{فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} فكأنه قيل: إن إعظامه بالإقسام به كلا إعظام، أي: أنه يستحق إعظاما فوق ذلك. وقيل: زائدة. واختلف هؤلاء في زيادتها على قولين: أحدهما: أنها زيدت توطئة، وتمهيدا لنفي الجواب، والتقدير: لا أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى، ومثله قوله تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية [٦٥] من سورة (النساء)، وأيضا قول امرئ القيس-وهو الشاهد رقم [٤٥٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [المتقارب]
فلا وأبيك ابنة العامريّ... لا يدّعي القوم أنّي أفرّ
ورد بقوله تعالى:{لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ..}. الآيات، فإن جوابه مثبت، وهو قوله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ،} ومثله قوله تعالى في سورة (الواقعة): {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ}.
والثاني: أنها زيدت لمجرد التوكيد، وتقوية الكلام، كما في قوله تعالى:{لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ} رقم [٢٩] من سورة (الحديد)، وردّ بأنها لا تزاد صدرا، بل حشوا، كما أن زيادة (ما) و (كان) كذلك، نحو قوله تعالى:{فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ} رقم [١٥٩] من سورة (آل عمران)، وقوله تعالى:{أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} رقم [٧٨] من سورة (النساء)، ونحو:(زيد كان فاضل) وذلك؛ لأن زيادة الشيء تفيد اطراحه، وكونه أول الكلام يفيد الاعتناء به، قالوا: ولهذا نقول: بزيادتها في نحو قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ} سورة (المعارج)، وقوله تعالى:{فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ} لوقوعها بين الفاء، ومعطوفها بخلاف هذا. وأجاب أبو علي بما تقدم من أن القرآن كالسورة الواحدة. انتهى. بحروفه. هذا؛ ولا تنس طباق السلب بين الآيتين.
{إِنَّهُ} أي: القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ:} يريد جبريل الأمين، قاله الحسن، والكلبي، ومقاتل، دليله قوله تعالى في سورة (التكوير): {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} وقال الكلبي أيضا، والقتبي: الرسول ها هنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، لقوله الآتي:{وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ} وليس القرآن من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم، إنما هو من قول الله عز وجل، ونسب القول إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأنه تاليه، ومبلغه، والعامل به، كقولنا: هذا قول مالك. انتهى. قرطبي. ومعنى {كَرِيمٍ} أي: على الله، والكريم من كل نوع ما يجمع فضائله، وهو صفة لكل ما يرضي في بابه، يقال: وجه كريم؛ أي: مرضي بحسنه، وجماله. وكتاب كريم: مرضي في معانيه، وفوائده، ونبات كريم:
مرضي فيما يتعلق به من المنافع، قال تعالى:{كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}. ومثله لفظ: