قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة». فقلت: ما أطول هذا اليوم؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده! إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة المكتوبة يصلّيها في الدّنيا».
واستدل النحاس على صحة هذا القول بما رواه سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ما من رجل لم يؤدّ زكاة ماله إلا جعل شجاعا من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتّى يقضي الله بين الناس». قال:
فهذا يدل على أنه يوم القيامة، وقال إبراهيم التيمي: ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إلا قدر ما بين الظهر والعصر. وروي هذا المعنى مرفوعا من حديث معاذ-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:
أنه قال: «يحاسبكم الله تعالى بمقدار ما بين الصلاتين». ولذلك سمّى نفسه: سريع الحساب، وأسرع الحاسبين.
وقيل: معنى ذكر {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} تمثيل، وهو تعريف طول مدة القيامة في الموقف، وما يلقى الناس فيه من الشدائد. والعرب تصف أيام الشدة بالطول، وأيام الفرح بالقصر، قال شبرمة بن الطفيل، وقيل: هو ليزيد بن الطثرية: [الطويل]
ويوم كظلّ الرّمح قصّر طوله... دم الزّقّ عنّا واصطفاق المزاهر
وخذ قول الآخر: [الكامل]
فقصارهنّ مع الهموم طويلة... وطوالهنّ مع السرور قصار
وانظر معلقة امرئ القيس-بشرحنا، وإعرابنا-البيت رقم [٥٤] وما بعده.
هذا؛ وأصل «سنة»: سنه، أو سنو خلاف، وجمعها على الأول: سنهات، وعلى الثاني:
سنوات، وكلاهما جمع مؤنث سالم، والنسبة إليها: سنوي، أو سنهي، وتصغيرها: سنيّة، أو سنيّهة، وتجمع بالواو والنون، أو بالياء والنون على أنها ملحقة بجمع المذكر السالم، كما في قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٢٥]: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ..}. إلخ. وكثير غيرها، وكسرت السين في: «سنين» لتدل على أنه قد جمع على غير الأصل؛ لأن كل ما جمع جمع السلامة لا يتغير فيه بناء الواحد، فلما تغير بناء الواحد في هذا الجمع بكسر أوله، وقد كان مفتوحا في الواحد؛ علم: أنه جمع على غير أصله، لذا فإنه يلحق بجمع المذكر السالم إلحاقا، ومثله:
أرضوان، وعليون، ووابلون، وأهلون، وأولو، وأولي، وألفاظ العقود: عشرون وثلاثون... إلخ.
هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله-: عشرون، وثلاثون، وأربعون كلّ واحد منها موضوع على صورة الجمع لهذا العدد. فإن قال قائل: لم كسر أول عشرين، وفتح أول ثلاثين وما بعده إلى ثمانين إلا ستين؟ فالجواب عند سيبويه: أن عشرين من عشرة بمنزلة اثنين من واحد، فكسر أول عشرين، كما