للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مهزولة من السّرى ورحلنا. و {ناشِئَةَ اللَّيْلِ} قيام الليل على أن الناشئة مصدر من: نشأ: إذا قام، ونهض على فاعلة، كالعافية، ويدل عليه ما روي عن عبيد بن عمير-رضي الله عنه-. قال: قلت لعائشة: رجل قام من أول الليل أتقولين له: قام ناشئة؟ قالت: لا؛ إنما الناشئة القيام بعد النوم، ففسرت الناشئة بالقيام عن المضجع، أو الناشئة: العبادة، التي تنشأ بالليل، أي: تحدث، وترتفع. وقيل: هي ساعات الليل كلها؛ لأنها تحدث واحدة بعد أخرى. وقيل: الساعات الأول من الليل؛ لأن لفظ: «نشأ» يعطي الابتداء، فكان بالأولية أولى، ومنه قول الشاعر: [الوافر]

ولولا أن يقال صبا نصيب... لقلت بنفسي النّشأ الصّغار

وكان علي بن الحسين، الملقب بزين العابدين-رضي الله عنهما-يصلي بين المغرب، والعشاء، ويقول: هذه ناشئة الليل. وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى بعد المغرب ستّ ركعات لم يتكلّم فيما بينهنّ بسوء؛ عدلن بعبادة ثنتي عشرة سنة». رواه ابن ماجه، والترمذي، وابن خزيمة. وعن عائشة-رضي الله عنها-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة». رواه الترمذي. وعن الأسود بن يزيد-رضي الله عنه-. قال:

قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: نعم ساعة الغفلة! يعني الصلاة فيما بين المغرب، والعشاء. رواه الطبراني.

{هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً} أي: إنها أثقل على المصلي من ساعات النهار، وذلك: أن الليل وقت منام، وراحة، فمن صلى فيه؛ فقد تحمل المشقة العظيمة. أو المعنى: أشد مواطأة، يواطئ القلب اللسان، إن أردت النفس، أو يواطئ فيها قلب القائم لسانه، إن أردت القيام، أو العبادة، أو الساعات، أو أشد موافقة لما يراد من الخشوع، والإخلاص. وعن الحسن: أشد موافقة بين السر، والعلانية؛ لانقطاع رؤية الخلائق، ولذا قرئ: «(هي أشدّ وطاء)».

على أنه مصدر: واطأت: وطاء، ومواطأة، إذا وافقته، وتواطؤوا عليه، أي: توافقوا.

فالمعنى: أشد موافقة بين القلب، والبصر، والسمع، واللسان؛ لانقطاع الأصوات، والحركات.

قال الله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٣٧] في بيان ما كان الجاهليون يفعلونه من تحليل، وتحريم: {لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ} أي: ليوافقوا.

{وَأَقْوَمُ قِيلاً} أي: أشد استقامة، وأثبت قراءة؛ لأن الأصوات هادئة، والدنيا ساكنة، فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {ناشِئَةَ:} اسم {إِنَّ} وهو مضاف، و {اللَّيْلِ} مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لظرفه، وفاعله مستتر فيه، أو من إضافة المصدر لظرفه على حد قوله تعالى في سورة (سبأ) رقم [٣٣]: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ}. {هِيَ:} ضمير منفصل مبني على

<<  <  ج: ص:  >  >>