إلا أحرقته. وكرر اللفظ تأكيدا؛ لأن اللفظين مترادفان، وهما بمعنى واحد. وقال مجاهد -رحمه الله تعالى-: لا تبقي من فيها حيا، ولا تذره ميتا، بل تحرقهم كلما جدّدوا.
هذا؛ وقال مكي بن أبي طالب القيسي: إنما حذفت الواو من (تذر)؛ لأنه حمل على نظيره في الاستعمال، والمعنى، وهو «يدع»؛ لأنه بمعناه، ولأنهما جميعا لم يستعمل منهما ماض، فحمل «يذر» على «يدع» فحذفت فاؤه، كما حذفت في يدع، وإنما حذفت في «يدع» لوقوعها بين ياء، وكسرة، ولأن فتحة الدال عارضة، إنما انفتحت من أجل حرف الحلق، والكسر أصلها، فبني الكلام على أصله، وقدر ذلك فيه، فحذفت واو «يدع» لذلك، وحمل عليه «يذر»؛ لأنه بمعناه، ومشابه له في امتناع استعمال الماضي. انتهى. وانظر ما قيل في ماضي «يدع» في الآية رقم [٣] من سورة (الضحى).
{لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} أي: مغيرة للوجوه، والأبدان. من: لاحه: إذا غيره. قال أبو رزين: تلفح النار وجوههم لفحة، تدعها أشد سوادا من الليل، والعرب تقول: لاحه البرد، والحر، والسقم، والحزن: إذا غيره، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
تقول ما لاحك يا مسافر... يا بنة عمّي لاحني الهواجر
وقال آخر: [الطويل]
وتعجب هند أن رأتني شاحبا... تقول لشيء لوّحته السّمائم
وقال لبيد-رضي الله عنه-في معلقته رقم [٢٥]: [الكامل]
أو ملمع وسقت لأحقب لاحه... طرد الفحول وضربها وكدامها
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-. {لَوّاحَةٌ} أي: تلوح للبشر من مسيرة خمسمئة عام.
وقال الحسن وابن كيسان: تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا. قال تعالى في سورة (الشعراء):
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ،} وفي سورة (النازعات): {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى،} وفي سورة (التكاثر):
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ}. هذا؛ وفي (البشر) وجهان: أحدهما: أنه الإنس من أهل النار، والثاني: أنه جمع بشرة، وهي جلدة الإنسان الظاهرة.
{عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} أي: على سقر تسعة عشر ملكا يلقون فيها أهلها. ثم قيل: هم خزنتها:
مالك أحد العشرة الملائكة المقربين، وثمانية عشر ملكا، ويحتمل أن يكون هذا العدد نقباء، وتحت أمرهم ملائكة كثيرون. وعلى الأول أكثر المفسرين، ولا ينكر هذا؛ لأنه إذا كان ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلائق، كان أحرى أن يكون تسعة عشر ملكا على عذاب الخلائق.
وقال ابن جريج: نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم خزنة جهنم، فقال: «فكأن أعينهم البرق، وكأنّ أفواههم الصياصي، يجرون أشعارهم، لأحدهم من القوة مثل قوة الثقلين، يسوق أحدهم الأمة، وعلى رقبته جبل، فيرميهم في النار، ويرمي فوقهم الجبل». انتهى. قرطبي وكشاف.