الفجور التكذيب ما ذكره القتبي، وغيره: أن أعرابيا قصد عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، وشكا إليه نقب إبله، ودبرها، وسأله أن يحمله على غيرها، فلم يحمله، فقال الأعرابي-وهذا هو الشاهد رقم [٥١٢] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الرجز]
أقسم بالله أبو حفص عمر... ما مسّها من نقب ولا دبر
فاغفر له اللهمّ إن كان فجر
يعني: إن كان كذبني فيما ذكرت. {يَسْئَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ} أي: متى يكون يوم القيامة؟! والمعنى: أن الكافر يسأل سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة، وهو كقوله تعالى في كثير من الآيات:{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ،} وقد رد الله عليهم بقوله في سورة (سبأ): {قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ}.
الإعراب:{بَلْ:} حرف إضراب انتقالي، ويصح أن تكون عاطفة. قال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي:{بَلْ يُرِيدُ} عطف على (يحسب) فيجوز أن يكون مثله استفهاما، وأن يكون إيجابا. {يُرِيدُ الْإِنْسانُ:} فعل مضارع وفاعله، والجملة الفعلية لا محل لها على جميع الوجوه المعتبرة ب:{بَلْ}. {لِيَفْجُرَ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانُ} تقديره: «هو»، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعليه فالمفعول محذوف، التقدير:
يريد الإنسان الثبات، والدوام على ما هو عليه من الفجور، والتكذيب بيوم القيامة. هذا؛ ويجوز اعتبار اللام صلة، والمصدر المؤول في محل نصب مفعول به محلا، وفي محل جر باللام لفظا، فيكون التقدير: بل يريد الإنسان الفجور، وقد ورد التصريح بذلك في قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٣٢]: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ..}. إلخ، وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة توكيدا له؛ لما فيها من معنى التقوية. وهناك قول ثالث: أن اللام بمعنى «أن» الناصبة، وأنها ناصبة للفعل بنفسها. قال الفراء: العرب تجعل لام كي في موضع «أن» في: (أراد، وأمر) وإليه ذهب الكسائي أيضا. انتهى. سمين في غير هذا الموضع. هذا؛ ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٢٦]: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ،} والآية رقم [٧١] من سورة (الأنعام): {وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ،} والآية رقم [٣٣] من سورة (الأحزاب)، والآية رقم [٨] من سورة (الصف)، ومثل ذلك كله قول كثير عزة-وهو الشاهد رقم [٣٩٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الطويل]
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
{أَمامَهُ:} ظرف مكان استعير للزمان هنا متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة.
{يَسْئَلُ:} فعل مضارع، وفاعله يعود إلى {الْإِنْسانُ} تقديره: «هو»، وهو معلق عن العمل لفظا