للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستكراه» وطلب رفع المؤاخذة اعتراف بنعمة الله علينا، وقد كانت الأمم السابقة تؤاخذ بالخطإ، والنّسيان. {رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً..}. إلخ: الإصر: الأمر الغليظ الصعب، ومنه قول النابغة: [البسيط]

يا مانع الضّيم أن يغشى سراتهم... والحامل الإصر عنهم بعد ما عرفوا

هذا وسميت التكاليف الشّاقّة إصرا؛ لأنّها تثقل كاهل صاحبها، ومنه قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٥٧] {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ} كما يسمى العهد والميثاق إصرا؛ لأنّه ثقيل، ومنه قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٨١]: {قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي}. {كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا:} المراد به ما كلّف به بني إسرائيل من قتل النفس في التّوبة، وإخراج ربع المال في الزّكاة، وقرض موضع النّجاسة، ومن أصاب ذنبا أصبح؛ وذنبه مكتوب على باب داره، ونحو ذلك من الأثقال، والآصار الّتي فرضت عليهم: كانوا يبتعدون عن المرأة في أيام حيضها، وإذا جمعوا الغنائم لم يأكلوها، بل تنزل نار من السّماء، فتأكلها، لذا دعاهم الله إلى الإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم؛ ليخفّف عنهم هذه الأحكام الشّاقة، قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٥٧]: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ}. هذا؛ والإصرار:

العهد، قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٨١]: {قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي}.

{رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} أي: من التّكاليف الشّاقّة، أو من العقوبات، والمصائب، والشّدائد التي لا نستطيع حملها، وقيل: هيجان الغلمة، والعزوبة، وقيل: هو الفرقة، والقطيعة، وقيل: هو حديث النفس، والوسوسة، كما تقدم. {وَاعْفُ عَنّا} أي: تجاوز عن ذنوبنا، وسيئاتنا. {وَاغْفِرْ لَنا:} استر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا، والغفر: الستر.

{وَارْحَمْنا:} تغمّدنا برحمتك التي تنجّينا بها من عقابك، فإنه ليس بناج من عقابك، وسخطك إلا من رحمته، وأصل الرّحمة: رقّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، ولهذا وصف بها الله تعالى، فليس يراد إلا الإحسان المجرد، والتفضّل على العباد دون الرقّة، وقيل: إنّ طلب العفو هو أن يسقط عنه عقاب ذنوبه، وطلب المغفرة هو أن يستر عليه صونا له من الفضيحة، كأن العبد يقول: أطلب منك العفو، وإذا عفوت عنّي، فاستره عليّ، فإذا عفا الله عن العبد، وستره، وتعطّف عليه بالرّحمة-التي هي الإنعام والإحسان-فإنه يفوز بالنعيم والثواب. {أَنْتَ مَوْلانا:}

ولينا، وناصرنا، ومتولّي أمورنا. {فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} أي: الجاحدين؛ الذين عبدوا غيرك، وجحدوا وحدانيتك، وكذّبوا برسالة نبيك صلّى الله عليه وسلّم.

تنبيه: ورد في فضل سورة البقرة أحاديث ترغّب في قراءتها، وتنوّه بشأنها، وهناك أحاديث تخصّ آية الكرسي بمزيد من الفضل، وأحاديث تنوّه بشأن هاتين الآيتين اللتين ختم الله بهما هذه السورة الكريمة، أذكر منها ما رواه عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>