للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه؛ لم يلزمه. قال تعالى في سورة (الحج) رقم [٢٩]: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} أراد جميع ما ينذره المسلم من حج، وهدي، وصوم، وصدقة... إلخ، أمروا بوفاء النذر مطلقا إلا ما كان في معصية، فعن عائشة-رضي الله عنها-.

قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من نذر أن يطيع الله؛ فليف بنذره، ومن نذر أن يعصي الله؛ فلا يف به». رواه البخاري. وفي رواية: «فليطعه، ولا يعصه». وعنها: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين». أخرجه الترمذي، وأبو داود، والنسائي.

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: استفتى سعد بن عبادة-رضي الله عنه-رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نذر كان على أمّه، فتوفّيت قبل أن تقضيه، فأمره أن يقضيه عنها. أخرجه الجماعة. وفي الآية دليل على وجوب الوفاء بالنذر، وهذا مبالغة في وصف الأبرار بأداء الواجبات؛ لأن من وفى بما أوجب على نفسه؛ كان لما أوجبه الله عليه أوفى. وعن عمران بن الحصين-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير القرون قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ يكون بعدهم قوم يشهدون، ولا يستشهدون، ويخونون، ولا يؤتمنون، وينذرون، ولا يوفون، ويظهر فيهم السّمن». رواه البخاري، ومسلم.

{وَيَخافُونَ يَوْماً} أي: يوم القيامة. {كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} أي: منتشرا فاشيا ممتدا. وقيل: استطار خوفه في أهل السموات، وأهل الأرض، وفي أولياء الله، وأعدائه. وقيل: فشا شره في السموات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وكورت الشمس، والقمر، وفي الأرض فتشققت الجبال، وغارت المياه، ونسفت الجبال، فكانت هباء منبثا. هذا؛ والعرب تقول: استطار الصدع في القارورة، والزجاجة، واستطال إذا امتد. قال الأعشى: [المتقارب]

وبانت وقد أورثت في الفؤا... د صدعا على نأيها مستطيرا

ويقال: استطار الحريق: إذا انتشر. واستطار الفجر: إذا انتشر الضوء. قال حسان بن ثابت -رضي الله عنه-مشيرا إلى ما فعله المسلمون ببني قريظة الذين نقضوا العهد، ونكثوا الميثاق مع النبي صلّى الله عليه وسلّم: [الوافر]

وهان على سراة بني لؤيّ... حريق بالبويرة مستطير

هذا؛ وقد قال الخازن-رحمه الله تعالى-: لما وصف الله تعالى ثواب الأبرار في الآخرة؛ وصف أعمالهم في الدنيا؛ حتى استوجبوا هذا الثواب. وقال الكلبي: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} أي:

يتممون العهود؛ لقوله تعالى في كثير من الآيات: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ،} وقوله جل ذكره في أول سورة (المائدة): {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أمروا بالوفاء بهما؛ لأنهم عقدوهما على أنفسهم باعتقادهم الإيمان. وأقول: بقولهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ومن لوازم هذه الكلمة ومن متطلباتها الوفاء بالعهود، بل وكل ما أمر الله به، وكل ما نهى عنه من لوازمها، ومتطلباتها، ودليل ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>