عند الغداء. فعلى هذا الوجه يجوز إطعام الأسرى، وإن كانوا على غير ديننا، وأنه يرجى ثوابه، ولا يجوز أن يعطى من الصدقة الواجبة؛ كالزكاة، والكفارات على اختلاف أنواعها، والنذور.
وقيل: الأسير: المملوك. وهو قول عكرمة، واختاره ابن جرير لعموم الآية للمسلم، والمشرك، وقد وصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالإحسان إلى الأرقاء؛ حتى كان آخر ما وصى به أن جعل يقول:
«الصلاة، وما ملكت أيمانكم». وقيل: الأسير: المرأة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«اتقوا الله في النّساء، فإنهنّ عوان عندكم».
هذا؛ واختلفوا في سبب نزول الآية، وما بعدها، فقيل: نزلت في رجل من الأنصار، يقال له: أبو الدحداح صام يوما، فلما كان وقت الإفطار؛ جاءه مسكين، ويتيم، وأسير، فأطعمهم ثلاثة أرغفة، وبقي له، ولأهله رغيف واحد. وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنها نزلت في علي بن أبي طالب-رضي الله عنه وكرّم الله وجهه-وذلك: أنه عمل ليهودي على شيء من شعير، فقبض ذلك الشعير، فطحنت السيدة فاطمة-رضي الله عنها-ثلثه، وأصلحوا منه شيئا يأكلونه، فلما فرغوا منه؛ أتى مسكين، فسأل، فأعطوه ذلك، ثم عملوا الثلث الثاني، فلما فرغوا منه؛ أتى يتيم فسأل، فأعطوه ذلك. ثم عملوا الباقي، فلما تم نضجه؛ أتى أسير من المشركين، فسأل فأعطوه ذلك، وطووا يومهم، وليلتهم، فنزلت هذه الآية. أقول: وخصوص السبب لا يمنع التعميم، فكل من أطعم المسكين، واليتيم، والأسير لله تعالى، وآثر على نفسه تشمله الآية.
هذا؛ وقد ذكر النقاش، والثعلبي، والقشيري، وغير واحد من المفسرين في قصة علي، وفاطمة -رضي الله عنهما-حديثا لا يصح، ولا يثبت. رواه جابر الجعفي عن قنبر مولى علي-رضي الله عنه- وفي تلك القصة قطع شعرية منسوبة إلى عليّ وإلى فاطمة، وإلى المسكين، واليتيم، والأسير، يخاطبون بها بيت النبوة. ولقد أحسن أبو حيان-رحمه الله تعالى-إذ يقول فيها: وذكر النقاش في ذلك حكاية طويلة جدا ظاهرة الاختلاق لسفساف ألفاظها، وكسر أبياتها، وسفاطة معانيها.
هذا؛ وقد ذكر القرطبي-رحمه الله تعالى-القصة المختلقة، والأشعار المزيفة كلها، ثم قال: وليت شعري من حفظ هذه الأبيات كل ليلة عن علي وفاطمة-رضي الله عنهما-، وإجابة كل واحد منهما صاحبه، حتى أدّاه إلى هؤلاء الرواة؟ فهذا وأشباهه من أحاديث أهل السجون فيما أرى، بلغني أن قوما يخالدون في السجون، فيبقون بلا حيلة، فيكتبون أحاديث في السمر، وأشباهه، ومثل هذه الأحاديث المفتعلة، فإذا صارت إلى الجهابذة؛ رموا بها، وزيفوها. وما من شيء إلا وله آفة ومكيدة، وآفة الدّين وكيده أكثر. انتهى.
الإعراب:{وَيُطْعِمُونَ:} الواو: حرف عطف. (يطعمون): فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا. {الطَّعامَ:} مفعول به أول.
{عَلى حُبِّهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما على عود الضمير إليه، والهاء في محل جر بالإضافة، من