للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْحَيُّ} أي: الذي لا يموت أبدا. {الْقَيُّومُ} أي: بغيره. فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غنيّ عنها، ولا قوام لها بدون أمره. وهما اسمان من أسماء الله الحسنى. وأصل {الْحَيُّ:}

الحيي بياءين متحركتين. فسكنت الأولى، ثم أدغمت في الثانية، وأصل {الْقَيُّومُ:} القيووم؛ لأنه من قام بالأمر، يقوم، فاجتمعت الواو، والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، قال الشّاعر:

إنّما العرش للّذي يرزق النّا... س وحيّ عليهم قيّوم

هذا؛ و {الْقَيُّومُ:} القائم بذاته، والقائم بتدبير الخلق، ومصالحهم فيما يحتاجون إليه في معاشهم، ومعادهم.

نبيه: قال المفسّرون، وأصحاب السّير: أنزلت هذه الآية في وفد نجران، وكانوا ستين راكبا، قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم، وهم: العاقب: واسمه: عبد المسيح، وهو أميرهم، وصاحب مشورتهم؛ الذي لا يصدرون إلا عن رأيه. والسّيد، واسمه: الأيهم، وهو عالمهم القائم بمالهم، وصاحب رحلهم، الذي يقوم بأمر طعامهم، وشرابهم. وأبو حارثة بن علقمة، وهو أسقفّهم، وحبرهم، وكان ملوك الروم يكرمونه لما بلغهم عن علمه، واجتهاده في دينه. فدخلوا مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين يصلّي العصر، وعليهم ثياب الحبرات؛ جبب، وأردية، يقول من رآهم من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا للصلاة في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال صلّى الله عليه وسلّم:

«دعوهم». فصلّوا إلى المشرق.

فلمّا فرغوا كلّم السيد، والعاقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أسلما». قالا:

أسلمنا قبلك، قال: «كذبتما يمنعكما من الإسلام دعواكما لله ولدا، وعبادتكما الصّليب، وأكلكما الخنزير». قالا: إن لم يكن عيسى ولدا لله، فمن أبوه؟! وخاصموه جميعا في عيسى، عليه الصّلاة والسّلام، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ألستم تعلمون: أنّ ربّنا حيّ لا يموت، وأنّ عيسى يأتي عليه الموت؟!» قالوا: بلى! قال: «ألستم تعلمون: أنّ ربّنا قيّم على كلّ شيء، يحفظه، ويرزقه؟» قالوا: بلى! قال: «فهل يملك عيسى شيئا من ذلك؟». قالوا: لا! قال: «ألستم تعلمون: أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السّماء؟!». قالوا: بلى! قال: «فهل يعلم عيسى من ذلك إلاّ ما علم؟!» قالوا: لا!.

قال: «ألستم تعلمون: أن ربّنا صوّر عيسى في الرّحم كيف شاء، وربّنا لا يأكل، ولا يشرب؟!» قالوا: بلى! قال: «ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته أمّه، كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثمّ غذّي، كما يغذّى الصّبيّ، ثمّ كان يطعم، ويشرب، ويحدث؟!» قالوا: بلى! قال: «فكيف يكون إلها، كما زعمتم؟!». فسكتوا، فأنزل الله صدر سورة (آل عمران)

<<  <  ج: ص:  >  >>