للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كانَ عَلِيماً حَكِيماً} أي: عليم بأحوال خلقه، حكيم في تدبيره، وصنعه، عليم بمن يستحق الهداية، فييسرها له، ويقيض له أسبابها، وعليم بمن يستحق الغواية، فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

هذا؛ وقد علق أحمد بن المنير الإسكندري المالكي على قول الزمخشري في كشافه. {وَما تَشاؤُنَ:} الطاعة. {إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ..}. إلخ: يقسرهم عليها بقوله: وهذا من تحريفاته للنصوص، وتسوره على خزائن الكتاب العزيز، كدأب الشطار، واللصوص، فلنقطع يد حجته التي أعدها، وذلك حكم هذه السرقة وحدها، فنقول: الله تعالى نفى، وأثبت على سبيل الحصر، الذي لا حصر، ولا نصر أوضح منه! ألا ترى: أن كلمة التوحيد اقتصر بها على النفي، والإثبات؛ لأن هذا النظم أعلق شيء بالحصر، وأدله عليه، فنفى الله تعالى أن يفعل العبد شيئا فيه اختيار، ومشيئة إلا أن يكون الله تعالى قد شاء ذلك الفعل، فمقتضاه: ما لم يشأ الله وقوعه من العبد، لا يقع من العبد، وما شاء منه وقوعه؛ وقع، وهو رديف: «ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن».

وانظر إدخاله القسر في تعطيل الآية، لا تأويلها كيف ناقض به؟ فإن معنى الآية عنده: أن مشيئة العبد الفعل، لا تكون إلا إذا قسره الله عليها، والقسر مناف للمشيئة، فصار الحاصل: أن مشيئة العبد لا توجد إلا إذا انتفت، فإذا لا مشيئة للعبد ألبتة، ولا اختيار، وما هو إلا فرّ من إثبات قدرة للعبد غير مؤثرة، ومشيئة غير خالفة؛ ليتم له إثبات قدرة، ومشيئة مؤثرين، فوقع في سلب القدرة، والمشيئة أصلا، ورأسا، وحيث لزم الحيد عن الاعتزال انحرف بالكلية إلى الطرف الأقصى متحيزا إلى الجبر، فيا بعد ما توجه بسوء نظره! والله الموفق. انتهى بحروفه.

الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {تَشاؤُنَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، ومفعوله محذوف، انظر تقديره في الشرح، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {إِلاّ:} أداة حصر، أو استثناء. {أَنْ:} حرف مصدري ونصب.

{يَشاءَ:} فعل مضارع منصوب ب‍: {أَنْ}. {اللهُ:} فاعله، والمفعول محذوف، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بإضافته لظرف محذوف، التقدير: إلا وقت مشيئة الله.

قاله أبو البقاء، ونقله الجمل عن السمين. وقال مكي: المصدر المؤول في موضع نصب على الاستثناء، أو في موضع خفض على قول الخليل بإضمار الخافض، وعلى قول غيره هي في موضع نصب؛ إذ قد حذف الخافض.

أقول: وكلامه غير واضح، وشرحه: أن الجار، والمجرور (على تقدير الجار) متعلقان بمحذوف مستثنى من عموم الأحوال، وكذلك الظرف الذي رأيت تقديره على قول أبي البقاء والسمين متعلق بمحذوف حال مستثنى... إلخ. {أَنْ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهُ:} اسمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>