فإنها مسبة علينا. فقال صلّى الله عليه وسلّم:«لا خير في دين، ليس فيه ركوع ولا سجود». يذكر: أن مالكا -رحمه الله-دخل المسجد بعد صلاة العصر، وهو ممن لا يرى الركوع بعد العصر، فجلس، ولم يركع، فقال له صبي: يا شيخ! قم فاركع، فقام، فركع، ولم يحاجه بما يراه مذهبا، فقيل له في ذلك. فقال: خشيت أن أكون من الذين {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ}.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إنما يقال لهم هذا في الآخرة حين يدعون إلى السجود، فلا يستطيعون. انتهى أقول: انظر ما ذكرته في سورة (القلم) رقم [٤٢] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ وقال ابن العربي: هذه الآية حجة على وجوب الركوع، وإنزاله ركنا في الصلاة، وقد انعقد الإجماع عليه. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٤٣]: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ} وقال جل ذكره في سورة (آل عمران) رقم [٤٣]: {يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ} وقال عز وجل في سورة (الحج) رقم [٧٧]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ}.
{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ:} بعد القرآن. {يُؤْمِنُونَ:} إذا لم يؤمنوا به، وهو معجز في ذاته، مشتمل على الحجج الواضحة، والمعاني الشريفة. هذا؛ وقد جاء التعبير عن القرآن بالحديث في كثير من الآيات قال تعالى في سورة (الطور) رقم [٣٤]: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ} وقال في سورة (الواقعة): {أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ،} وقال في سورة (القلم) الآية [٤٣]: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ،} وقد قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٨٤]: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} انظر ما ذكرته في آخر سورة (القيامة).
الإعراب:{وَإِذا:} الواو: حرف استئناف. (إذا): انظر الآية رقم [٨]. {قِيلَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {لَهُمُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {اِرْكَعُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل رفع نائب فاعل {قِيلَ} أفاده ابن هشام في مغنيه، وهذا يكون جاريا على القاعدة العامة:«يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه». وهذا لا غبار عليه، وقد ذكرت لك مرارا أن بعضهم يعتبر نائب الفاعل ضميرا مستترا تقديره:«هو»، يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل، أو هو محذوف يدل عليه المقام؛ أي:
وقيل قول، وبعضهم يعتبر الجار، والمجرور (لهم) المذكور، أو المقدر في كثير من الآيات هو نائب الفاعل. والمعتمد الأول، وأيده ابن هشام في المغني، حيث قال: إن الجملة التي يراد بها لفظها، يحكم لها بحكم المفردات، ولهذا تقع مبتدأ، نحو:(لا حول ولا قوة إلا بالله: كنز من كنوز الجنة) ونحو: (زعموا: مطية الكذب) وجملة: {قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا} في محل جر بإضافة (إذا) إليها، على المرجوح المشهور. {لا:} نافية. {يَرْكَعُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ:} انظر الآية رقم [١٥].