للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعضهم يقول: كهانة، فنزلت هذه السورة. ومناسبتها لما قبلها ظاهرة، لما ذكر في قوله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} وكانوا يتجادلون فيه، ويتساءلون عنه، فقال: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ} والاستفهام عن هذا فيه تفخيم، وتهويل، وتقرير، وتعجيب. انتهى. جمل.

{عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ:} بيان لذلك الشيء، والاستفهام لتفخيمه؛ لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية، وهو ما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم من القرآن المشتمل على البعث، وغيره.

{الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ:} فمن فسر النبأ العظيم بالقرآن؛ قال: اختلافهم فيه قولهم: إنه سحر، أو شعر، أو كهانة، أو نحو ذلك مما قالوه في القرآن. ومن فسر النبأ العظيم بالبعث؛ قال:

اختلافهم فيه: فمن مصدق به، وهم المؤمنون، ومن مكذب به، وهم الكافرون. ومن فسره بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: اختلافهم فيه كاختلافهم في القرآن.

{كَلاّ سَيَعْلَمُونَ:} ردع فيه معنى الوعيد، والتهديد؛ أي: سيعلمون عاقبة تكذيبهم حين ينكشف الأمر يعني في القيامة، وسيعلمون صدق ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم من القرآن، ومما ذكره لهم من البعث بعد الموت، والتكرير للتوكيد. انظر مثله في سورة (ن) رقم [٥]، وفي سورة (التكاثر).

هذا؛ والنبأ: الخبر وزنا، ومعنى. ويقال: النبأ أخص من الخبر؛ لأن النبأ لا يطلق إلا على كل ما له شأن، وخطر من الأنباء. وقال الراغب: النبأ خبر ذو فائدة، يحصل به علم، أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل: نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحقه أن يتعرى عن الكذب كالمتواتر، وخبر الله تعالى، وخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم. هذا؛ والفعل منه من الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل، وقد يجيء الفعل منه غير مضمن معنى: أعلم، فيتعدى لواحد بنفسه، وللآخر بحرف الجر، كما في قوله تعالى: {وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ} رقم [١٤] من سورة (المائدة)، والآية رقم [٦] من سورة (المجادلة)، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣] من سورة (التحريم) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

الإعراب: {عَمَّ:} (عن): حرف جر. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل جر ب‍: (عن)، حذفت ألفها كما رأيت في الشرح، وبقيت الفتحة دليلا عليها، والجار، والمجرور متعلقان بما بعدهما. {يَتَساءَلُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية مبتدأة لا محل لها. {عَنِ النَّبَإِ:} متعلقان بفعل محذوف لدلالة ما قبله عليه، ولا يجوز أن يتعلقا بالفعل المذكور؛ لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفهام، فيكون التقدير: أعن النبأ العظيم؟ ويكون الجار والمجرور بدلا من قوله: {عَمَّ} كقولك: كم مالك؟ أثلاثون، أم أربعون؟ فوجب لما ذكرناه من امتناع تعلقهما بالفعل المذكور، وإنما يتعلقان بفعل مقدر. وقيل: الاستفهام مقدر قبل عن الثانية والمقدر كالمذكور. {الْعَظِيمِ:} صفة {النَّبَإِ}.

{الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون، وفيه ثلاثة أوجه: الأول: على أنه في محل جر صفة، أو هو بدل من {النَّبَإِ الْعَظِيمِ}. والثاني: على أنه في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف،

<<  <  ج: ص:  >  >>