للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال، ومنه سبت اليهود؛ لانقطاعهم عن الأعمال فيه. هذا؛ وسبت الشيء: قطعه، وسبت الرأس: حلقه. والسبت مصدر، ويوم من أيام الأسبوع، وجمعه: أسبت، وسبوت، والسبت أيضا: النوام، والفرس، والجواد، والرجل الداهية. هذا؛ والسبت بكسر السين: الجلد المدبوغ. قال عنترة في وصف الشجاع الذي افتخر بقتله-وهو البيت من معلقته رقم [٧٣]، وأيضا هو الشاهد رقم [٣٠٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الكامل]

بطل كأنّ ثيابه في سرحة... يحذى نعال السّبت ليس بتوءم

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً} أي: سترا للخلق يقوم مقام اللباس في ستر البدن. قال الطبري: وصف الليل باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياء ويغشاها. {وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً} أي: وقت معاش؛ أي: متصرفا فيه لطلب المعاش، وهو كل ما يعاش به من المطعم، والمشرب، والملبس، وغير ذلك. وفي الكشاف: لباسا يستركم عن العيون، إذا أردتم هربا من عدو، أو بياتا له، أو إخفاء ما لا تحبون الإطلاع عليه من كثير من الأمور. قال أبو الطيب المتنبي من قصيدته التي مدح بها كافور الإخشيدي: [الطويل]

وكم لظلام اللّيل عندك من يد... تخبّر أنّ المانويّة تكذب

ومن المعلوم من مذهب المانوية: أن الخير منسوب إلى النور، والشر منسوب إلى الظلام، فكذبهم أبو الطيب بأن نعمته، وخيريته إنما حصلت من الظلام، وبيّن تلك النعمة في قوله بعده: [الطويل]

وقاك ردى الأعداء تسري إليهم... وزارك فيه ذو الدلال المحجّب

وهذه الآيات مع دلالتها على قدرة الخالق، فيها إظهار لنعمته على خلقه؛ لأن في الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية، ودنيوية، وقد كثر الامتنان من الله على خلقه، بذلك مثل قوله تعالى في سورة (الفرقان) الآية رقم [٤٧]: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً،} وأيضا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} الآية رقم [١٢] من سورة (الإسراء)، وقوله تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} الآية رقم [٢٣] من سورة (الروم).

هذا؛ وفي الآيات تشبيه بليغ؛ إذ أصل الكلام: جعلنا الأرض كالمهاد الذي يفترشه النائم، وجعلنا الجبال كالأوتاد التي تثبت الدعائم، وجعلنا الليل كاللباس في الستر، والخفاء، فحذف أداة التشبيه، ووجه الشبه، فأصبح بليغا. وبعضهم يعتبر الجميع من باب الاستعارة. ولا تنس المقابلة في الآيتين رقم [١٠ و ١١] حيث قابل بين الليل، والنهار، والراحة، والعمل، وهو من المحسنات البديعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>