للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً} أي: وأنزلنا من السحب التي حان وقت إمطارها ماء دافقا منهمرا بشدة، وقوة. قال في التسهيل: المعصرات: هي السحب، مأخوذة من العصر؛ لأن السحاب ينعصر، فينزل منه الماء، شبهت السحابة التي حان وقت إمطارها بالجارية التي قد دنا حيضها؛ ولم تحض قال أبو النجم العجلي، ونسب لليث المجاشعي: [الرجز]

تمشي الهوينى مائلا خمارها... قد أعصرت أو قد دنا إعصارها

وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: [الطويل]

فكان مجنّي دون من كنت أتقي... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

هذا؛ وقيل: المعصرات: الرياح، يقال: أعصرت الرياح، تعصر إعصارا: إذا أثارت العجاج، وهي الإعصار. وقيل: المعصرات السماء، والأصح: أن المعصرات السحاب، كذا المعروف: أن الغيث منها، وانظر سورة (الواقعة) رقم [٦٩] حيث أطلق على السحب لفظ المزن، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. هذا؛ وماء ثجاجا دافقا منهمرا بشدة وقوة، يقال:

ثججت دمه فأنا أثجه ثجّا، والثجاج في الآية المنصب. قال عبيد بن الأبرص: [البسيط]

فثجّ أعلاه ثمّ ارتجّ أسفله... وضاق ذرعا بحمل الماء منصاح

وفي حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه سئل عن الحج المبرور، فقال: «العجّ، والثجّ». فالعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج إراقة الدماء، وذبح الهدايا. {لِنُخْرِجَ بِهِ:} بذلك الماء. {حَبًّا:}

كالحنطة، والشعير، وغير ذلك. {وَنَباتاً:} من الأبّ، وهو ما تأكله الدواب من الحشيش، والتبن، كما قال تعالى في سورة (طه) رقم [٥٤]: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ} وقوله تعالى في سورة (الرحمن) رقم [١٢]: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ} ورحم الله زيد بن عمرو بن نفيل؛ الذي كان متحنفا قبيل الإسلام؛ إذ قال من قصيدة له مشهورة: [الطويل]

وقولا له من ينبت الحبّ في الثرى... فيصبح منه البقل يهتزّ رابيا

ويخرج منه حبّه في رؤوسه... ففي ذاك آيات لمن كان واعيا

{وَجَنّاتٍ أَلْفافاً} أي: وحدائق، وبساتين كثيرة الأشجار، والأغصان، ملتف بعضها على بعض، لكثرة أغصانها، وتقارب أشجارها. ولا واحد له من لفظه، كالأوزاع، والأخياف.

وقيل: الواحد: لفّ بكسر اللام، وضمها. وقال صاحب الإقليد: أنشدني الحسن بن علي الطوسي، وهو له: [الرمل]

جنّة لفّ وعيش مغدق... وندامى كلّهم بيض زهر

هذا؛ و (جعل) في الآية رقم [١٣] نصب مفعولا واحدا، مثل: خلق، وأنشأ، وأوجد، والفرق بين خلق، وجعل الذي له مفعول واحد: أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>