مرتين: مرة استقلالا، ومرة مع الملائكة، تنبيها على جلالة قدره، ومكانته عند ربه، مع ملاحظة ذكره هنا قبل الملائكة، وفي سورة (القدر) بعد الملائكة، فالأول هو من ذكر الخاص قبل العام، وفي سورة (القدر) من ذكر الخاص بعد العام، وانظر ما ذكرته في سورة (المعارج) رقم [٤] ففيها كبير فائدة.
{لا يَتَكَلَّمُونَ} يعني: الخلق كلهم إجلالا لعظمة الله تعالى جل جلاله، وتبارك شأنه وعطاؤه، {إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ} أي: في الكلام. وقيل: في الشفاعة؛ أي: تحقيقا لقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} الآية رقم [٢٨] من سورة (الأنبياء)، وكما ثبت في الصحيح من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«ولا يتكلّم يومئذ إلا الرسل». قال البيضاوي: -رحمه الله تعالى-: هذه الآية تقرير، وتوكيد لقوله في الآية السابقة {لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً} فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق، وأقربهم من الله تعالى، إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما يكون صوابا كالشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه؛ فكيف يملكه غيرهم؟! {إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ} أي: في الكلام، أو في الشفاعة. {وَقالَ صَواباً} أي: حقا، ومن القول الصواب، والحق قول:
(لا إله إلا الله) إن عمل بمقتضاها، كما ذكرته مرارا، وتكرارا. هذا؛ وقيل: الاستثناء يرجع إلى الروح والملائكة، فيكون المعنى: لا يشفعون إلا في شخص أذن الرحمن في الشفاعة له، وذلك الشخص ممن كان يقول صوابا في الدنيا، وهو (لا إله إلاّ الله) مع الإخلاص بها، وإخلاصها:
أن تحجزه عن محارم الله تعالى، كما ورد من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة». قيل: وما إخلاصها؟ قال:«أن تحجزه عن محارم الله». وفي رواية:«أن تحجزه عمّا حرم الله عليه». رواه الطبراني في الكبير، والأوسط عن زيد بن أرقم-رضي الله عنه-. هذا؛ وأصل الصواب: السداد في القول، والفعل، وهو من: أصاب، يصيب إصابة، كالجواب من: أجاب، يجيب إجابة.
الإعراب:{يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق ب: {لا يَمْلِكُونَ،} وأجاز الزمخشري تعليقه ب: {لا يَتَكَلَّمُونَ،} وأجاز أبو البقاء تعليقه ب: {خِطاباً،} والمعتمد الأول. وجملة:{يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ} في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها. {صَفًّا:} حال من: {الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ،} وجاز ذلك؛ لأنه مصدر يؤول ب: مصطفّين. {لا:} نافية. {يَتَكَلَّمُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من:{الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ،} فهي حال متعددة، أو من الضمير المستتر ب: مصطفّين، فتكون حالا متداخلة، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.
{إِلاّ:} أداة استثناء، أو أداة حصر. {مَنْ:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب على الاستثناء من واو الجماعة، أو في محل رفع بدلا من الواو. وهو أقوى؛ لأن الكلام تام منفي. وهو اختيار ابن مالك في ألفيته. وجملة:{أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ} صلة الموصول، لا محل لها،