{الْمَرْءُ:} كل امرئ مسلما كان، أو كافرا، ذكرا كان، أو أنثى. وهذا العموم يؤخذ من أل الاستغراقية، والمعنى: يرى كل ما قدمه مثبتا في صحيفته خيرا كان، أو شرا. {ما قَدَّمَتْ يَداهُ:}
من الشر، لقوله تعالى: {ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} سورة (آل عمران) ومثلها في (الأنفال) رقم [٥١]، وأيضا في (الحج) رقم [١٠] وتخصيص الأيدي بالذكر؛ لأن أكثر الأعمال تقع بها، وإن احتمل ألاّ يكون للأيدي مدخل فيما ارتكب من الآثام، كالعين، والأذن، والرجل، وغير ذلك من الجوارح الباطنة، وهذا ظاهر لا خفاء فيه.
ويقول الكافر:{يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً:} قال عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-:
إذا كان يوم القيامة؛ مدت الأرض مدّ الأديم، وحشر الدواب، والبهائم، والوحوش، ثم يجعل القصاص بين البهائم، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بينها. قيل لها: كوني ترابا، فعند ذلك يقول الكافر:{يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً}. وقيل: يقول الله عز وجل للبهائم بعد القصاص: إنا خلقناكم، وسخرناكم لبني آدم، وكنتم مطيعين لهم أيام حياتكم، فارجعوا إلى ما كنتم عليه، كونوا ترابا، فإذا رأى الكافر ذلك تمنى. وقال: يا ليتني كنت في الدنيا في صورة بعض هذه البهائم، وكنت اليوم ترابا! وقيل: إذا قضى الله بين الناس، وأمر بأهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار. وقيل لسائر المخلوقات سوى الناس، والجن: عودوا ترابا، فيعودون ترابا، فحينئذ يقول الكافر:{يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً}.
هذا؛ وقد بينت لك في سورة (الأحقاف) رقم [٢٩] وما بعدها، وفي أول سورة (الجن) أن الجن مكلفون بالتكاليف الشرعية، ويثابون، ويعاقبون، فالمؤمن يدخل الجنة، والكافر يدخل النار، كبني آدم، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
(كنت) بفتح الكاف، ثم أبدلت الفتحة ضمة لتدل على الواو المحذوفة، فصار: كنت. وهناك إعلال آخر، وهو أن تقول: أصل الفعل: كون، فلما اتصل بضمير رفع متحرك نقل إلى باب فعل، فصار:(كونت) ثم نقلت حركة الواو إلى الكاف قبلها، فصار:(كونت) فالتقى ساكنان:
العين المعتلة ولام الفعل، فحذفت العين، وهي الواو لالتقاء الساكنين، فصار (كنت) وهكذا قل في إعلال كل فعل أجوف واوي مسند إلى ضمير رفع متحرك، مثل: قام، وقال، ونحوهما.
الإعراب:{إِنّا:} حرف مشبه بالفعل. و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَنْذَرْناكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول أول. {عَذاباً:} مفعول به ثان. {قَرِيباً:} صفة عذابا، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.
{يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق ب: {عَذاباً}. وقال أبو البقاء: صفة ل: (قريب)، ولا وجه له، ولو