للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الكهف) رقم [٢٨]: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا}

قال العلماء: ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالما: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله تعالى عاتبه؛ حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة، أو ليعلم:

أن المؤمن الفقير خير من الغني، وكان النظر إلى المؤمن أولى، وإن كان فقيرا أصلح وأولى من الأمر الآخر، وهو الإقبال على الأغنياء طمعا في إيمانهم، وإن كان ذلك أيضا نوعا من المصلحة.

وقال ابن زيد-رحمه الله تعالى-: إنما عبس النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن أم مكتوم، وأعرض عنه؛ لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه، فدفعه ابن أم مكتوم وأبى إلا أن يكلم النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى يعلمه، فكان في هذا نوع جفاء منه، ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلّى الله عليه وسلّم: {عَبَسَ وَتَوَلّى} بلفظ الإخبار عن الغائب تعظيما له، ولم يقل: عبست، وتوليت، ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيسا له، فقال: {وَما يُدْرِيكَ} أي: وما يعلمك يا محمد، ويخبرك لعل هذا الأعمى الذي عبست في وجهه يتطهر من ذنوبه بما يتلقاه عنك من العلم، والمعرفة. {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى} أي: أو يتعظ بما يسمع، فتنفعه موعظتك. هذا؛ وابن أم مكتوم كان مؤمنا قديما، فهو مطهر من الشرك، وإنما المراد تطهيره من الذنوب، والسيئات.

هذا؛ وقد استدل بهذه الآيات من يرى صدور الذنب من الأنبياء؛ إذ قالوا: لمّا عاتبه الله في ذلك الفعل؛ دل على أن ذلك الفعل كان معصية. وهذا بعيد؛ فإنا قد بينا: أن ذلك كان هو الواجب المتعين إلا بحسب هذا الاعتبار الواحد، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وذلك غير لائق بصلابة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإذا كان كذلك؛ كان ذلك جاريا مجرى ترك الاحتياط، وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنبا ألبتة. انتهى. الفخر الرازي. وقال ابن حزم: وأما قوله: {عَبَسَ وَتَوَلّى} الآيات، فإنه كان صلّى الله عليه وسلّم قد جلس إليه بعض عظماء قريش، ورجا إسلامهم، وعلم: أنه لو أسلم؛ لأسلم بإسلامه ناس كثيرون، وظهر الدين، وعلم: أن هذا الأعمى الذي يسأله عن أشياء من أمور الدين لا يفوته، وهو حاضر معه، فاشتغل عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم بما خاف فوته من عظيم الخير، مما لا يخاف فوته، وهذا غاية النظر في الدين، والاجتهاد في نصرة القرآن في ظاهر الأمر، ونهاية التقريب إلى الله؛ الذي لو فعله اليوم منا فاعل؛ لأجر، فعاتبه الله تعالى؛ إذ كان الأولى عند الله أن يقبل على ذلك الأعمى الفاضل البر التقي، ويترك أولئك المعاندين. انتهى. النبوة والأنبياء للصابوني. هذا؛ وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٣] من سورة (التوبة). ففيها بحث جيد.

الإعراب: {عَبَسَ:} فعل ماض، والفاعل محذوف يدل عليه المقام، وسياق الكلام؛ إذ المراد به سيد الخلق وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم، والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها من الإعراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>