للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكّى} أي: لا يؤمن، ولا يهتدي، وإنما عليك البلاغ، {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ} والمعنى لا حرج عليك أن لا يتطهر من دنس الكفر، والفجور، والعصيان، ولست بمطالب بهدايته. قال الآلوسي-رحمه الله-: وفيه مزيد تنفير له صلّى الله عليه وسلّم عن مصاحبتهم، فإن الإقبال على المدبر مخل بالمروءة كما قال الشاعر: [البسيط]

والله لو كرهت كفّي مصاحبتي... يوما لقلت لها عن صحبتي بيني

{وَأَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى:} يسرع في طلب الخير، والعلم، ويريد الهداية، والمزيد منها. {وَهُوَ يَخْشى:} يخاف الله، ويتقيه، ويعمل صالحا. {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى} أي: تعرض عنه بوجهك، وتتشاغل عنه بغيره. هذا؛ والتلهي من اللهو، وهو اللعب. قال الحارث بن حلزة في معلقته رقم [١٥]:

في وصف ناقته التي يقطع بها الصحاري، والقفار: [الخفيف]

أتلهّى بها الهواجر إذ ك‍... لّ ابن همّ بليّة عمياء

وهذا المعنى غير مراد بالآية قطعا؛ لأنه لا يليق بمقام النبوة. هذا؛ وأصل تلهى: تتلهى، فحذفت منه إحدى التاءين تخفيفا، ومثله: {تَصَدّى} أصله: تتصدى، وهذا الحذف كثير في العربية شعرا، ونثرا.

قال ابن كثير: ومن هاهنا أمر الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم ألاّ يخصّ بالإنذار أحدا، بل يساوي فيه بين الشريف، والضعيف، والفقير، والغني، والسادة، والعبيد، والرجال، والنساء، والصغار، والكبار، ثم الله يهدي به من يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

انتهى. ورحم الله الإمام مالكا؛ إذ قال للمنصور: إن هذا العلم لا ينتفع به الخاصة؛ إذا حرمه العامة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {أَمّا:} أداة شرط، وتوكيد، وتفصيل، انظر الآية رقم [٣٧] من سورة (النازعات). {مَنِ:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {اِسْتَغْنى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {مَنِ} وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فَأَنْتَ:} الفاء: واقعة في جواب {أَمّا}. (أنت): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما.

{تَصَدّى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: (أنت...) إلخ في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو {مَنِ،} والجملة الاسمية هذه مستأنفة، لا محل لها.

{وَما:} الواو: واو الحال. (ما): نافية. {عَلَيْكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {أَلاّ:} (أن): حرف مصدري، ونصب. (لا): نافية. {يَزَّكّى:} فعل مضارع منصوب ب‍: (أن)، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {مَنِ} أيضا، و (أن)

<<  <  ج: ص:  >  >>