للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة: جبريل، وميكائيل، وغيرهما. {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ:} رفيعة القدر عند الله، ومكانتها عالية، منزهة عن أيدي الشياطين، وعن كل دنس ونقص. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} أي: بأيدي ملائكة كرام، جعلهم الله سفراء بينه، وبين رسله الذين اصطفاهم للتبليغ، فهم بررة، لم يتدنسوا بمعصية قط.

و {بَرَرَةٍ} جمع: بار، مثله: كافر، وكفرة، وساحر، وسحرة. وفاجر، وفجرة. يقال: بر، وبار:

إذا كان أهلا للصدق، ومنه بر فلان في يمينه؛ أي: صدق، وفلان يبر خالقه، ويتبرره؛ أي:

يطيعه. فمعنى بررة مطيعين لله، صادقين لله في أعمالهم. هذا؛ وفي الصحاح: وجمع البر:

الأبرار، وجمع البار: البررة، انتهى. قال تعالى في سورة (الدهر) رقم [٥]: {إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ..}. إلخ. وفي سورة (الانفطار) و (المطففين) {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ}.

وروى أبو صالح عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: {سَفَرَةٍ:} كتبة، وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار؛ التي هي الكتب، واحدهم: سافر، والكتاب: هو السفر، وجمعه: أسفار. قال تعالى في سورة (الجمعة) رقم [٥] في حق علماء اليهود اللؤماء:

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً}.

قال الزجاج: وإنما قيل للكتاب: سفر (بكسر السين) وللكاتب: سافر؛ لأن معناه: أنه يبين الشيء ويوضحه، يقال: أسفر الصبح: إذا أضاء، وسفرت المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها. قال: ومنه: سفرت بين القوم، أسفر سفارة: أصلحت بينهم. وقاله الفراء، وأنشد قول القائل: [الوافر]

فما أدع السّفارة بين قومي... ولا أمشي بغشّ إن مشيت

والسفير: الرسول، والمصلح بين القوم. والجمع: سفراء، مثل: فقيه، وفقهاء. هذا؛ واليد تستعمل في الأصل للجارحة، وتطلق ويراد بها: القوة، والقدرة. قال تعالى في سورة (الذاريات): {وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ} وخذ قول عروة بن حزام العذري-وهو الشاهد رقم [١١٦] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الطويل]

وحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها... ومالي بزفرات العشيّ يدان

قال تعالى في سورة (يس) رقم [٧١]: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ} كما تطلق على النعمة، والمعروف، يقال: لفلان يد عندي. أي: نعمة، ومعروف، وإحسان. وتطلق على الحيلة والتدبير، يقال: لا يد لي في هذا الأمر؛ أي: لا حيلة لي فيه، ولا تدبير. وينبغي أن تعلم: أن (الأيد) في آية (الذاريات) مفرد، وليس بجمع، ومثلها قوله تعالى في سورة (ص) رقم [١٧]: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ}. وينبغي أن تعلم: أن تفسير اليد بالقوة في سورة (الذاريات) وغيرها، إنما هو قول الخلف، وأما السلف؛ فإنهم يقولون: لله يد لا نعلمها.

أو يقولون: له يد تليق به. ومذهب الخلف مذهب التأويل، ومذهب السلف مذهب التفويض.

<<  <  ج: ص:  >  >>