للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وذكر ناس من المفسرين؛ قالوا: تصيخ لها الأسماع؛ من قولك: أصاخ إلى كذا؛ أي: استمع إليه، ومنه الحديث: «ما من دابة إلاّ وهي مصيخة يوم الجمعة شفقا من السّاعة إلا الجنّ والإنس». قال الشاعر: [السريع]

يصيخ للنّبأة أسماعه... إصاخة النّاشد للمنشد

وأيضا قول الآخر، وهو الشاهد رقم [١٨]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الكامل]

فأصاخ يرجو أن يكون حيا... ويقول من فرح: هيا ربّا

والمعتمد القول الأول في تفسير {الصَّاخَّةُ،} فإنها بمعنى: الداهية مثل: {الطَّامَّةُ}.

{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ..}. إلخ أي: إنه لا يلتفت إلى واحد من هؤلاء لشغله بنفسه. والمراد من الفرار: التباعد، والسبب في ذلك الاحتراز عن المطالبة بالحقوق، فالأخ يقول: ما واسيتني بمالك. والأبوان يقولان: قصرت في برنا، وحقوقنا. والصاحبة تقول: لم توفني حقي. والبنون يقولون: ما علمتنا. وقيل: يفر المؤمن من موالاة هؤلاء، ونصرتهم. والمعنى: أن هؤلاء الذين كانوا يقربونهم في الدنيا، ويتقوون بهم، ويتعززون بهم يفرون منهم في الدار الآخرة، وفائدة الترتيب كأنه قيل: يوم يفر المرء من أخيه بل من أبويه؛ لأنهما أقرب من الأخوة، بل من الصاحبة والولد؛ لأن تعلقه بهما أشد من تعلقه بالأبوين. وانظر سورة (المعارج) رقم [١٢ و ١٣ و ١٤]: تجد ما يسرك.

{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي: حالة تشغله عن غيره؛ لعلمه: أنهم لا ينفعونه، ولا يغنون عنه شيئا، كما قال تعالى في سورة (الدخان) رقم [٤١]: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ،} وقال تعالى في سورة (لقمان) رقم [٣٣]: {يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً} انظر شرحها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. وعن عائشة-رضي الله عنها-. قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة، عراة، غرلا». قلت: يا رسول الله! الرجال، والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: «يا عائشة! الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض». أخرجه مسلم. وخرج الترمذي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشرون حفاة عراة غرلا».

فقالت امرأة: أينظر بعضنا عورة بعض؟ قال: «يا فلانة لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه». هذا؛ ويقرأ: «(يغنيه)» أي: يصرفه ويصده عن قرابته.

هذا؛ والأغرل: الأقلف، والغرلة: هي الجلدة التي تزال عند ختان الذكر، والأنثى، ويقال لها: القلفة، والمراد: أن ابن آدم يحشر يوم القيامة تام الأجزاء كما ولد، فإن قطع شيء من جسده يعاد إليه يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>