للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي: جمعت، والحشر: الجمع. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: يحشر كل شيء حتى الذباب. وقال: تحشر الوحوش غدا؛ أي: تجمع حتى يقتص لبعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء، ثم يقال لها: كوني ترابا، فتموت، انظر ما ذكرته في آخر سورة (النبأ) رقم [٤٠]. وقيل: المعنى: أن الوحوش مع نفرتها اليوم من الناس، وتنددها في الصحارى تجمع غدا، وتضم إلى الناس من أهوال ذلك اليوم.

{وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أوقدت، فصارت نارا تضطرم.

وقيل: فجر بعضها في بعض، العذب، والملح؛ حتى صارت البحار كلها بحرا واحدا. وقيل:

صارت مياهها من حميم أهل النار. وقيل: سجرت؛ أي: يبست، وذهب ماؤها، فلم تبق فيها قطرة، انظر ما ذكرته في سورة (الطور) رقم [٦]: والفضل لله العلي القدير.

قال أبي بن كعب-رضي الله عنه-: ست آيات قبل يوم القيامة، بينما الناس في أسواقهم؛ إذ ذهب ضوء الشمس، وبدت النجوم، فتحيروا، ودهشوا، فبينما هم كذلك ينظرون إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك؛ إذ وقعت الجبال على الأرض، وتساقطت فتحركت، واضطربت، واحترقت، وفزعت الإنس، والجن، واختلطت الدواب، والطير، والوحش، وماج بعضهم ببعض، فذلك قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} فحينئذ تقول الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فينطلقون إلى البحر؛ فإذا هو نار تأجج، فبينما هم كذلك؛ إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك؛ إذ جاءتهم ريح، فأماتتهم. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: هي اثنتا عشرة خصلة: ستة في الدنيا، وستة في الآخرة، وهي ما ذكر بعد هذه، وهو قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ..}. إلخ والله أعلم بمراده.

الإعراب: {إِذَا:} ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {الشَّمْسُ:} نائب فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده، وهذا عند البصريين، وعند الكوفيين فيه ثلاثة أوجه: الأول: وافقوا فيه البصريين. والثاني: اعتبار {الشَّمْسُ} نائب فاعل مقدما. والثالث: اعتبار {الشَّمْسُ} مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبره. انظر الشاهد رقم [٩٩٠]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والكلام عليه فإنه جيد جدا؛ والحمد الله. {كُوِّرَتْ:} فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث حرف لا محل لها، ونائب الفاعل يعود إلى {الشَّمْسُ،} والجملة الفعلية مفسرة لا محل لها على مذهب البصريين، وهو المعتمد في هذه المسألة، والفعل المحذوف، وفاعله جملة فعلية في محل جر بإضافة {إِذَا} إليها على المشهور المرجوح، وكل الجمل الآتية إعرابها مثلها، وهي جمل متعاطفة، وجواب الجميع قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ} ولا تنس: أن الأسماء المتقدمة، بعضها فاعل، وبعضها نائب فاعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>