للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وجاء قيس بن عاصم المنقري-رضي الله عنه-إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! إني وأدت ثمان بنات كنّ لي في الجاهلية. قال: «فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة». قال:

يا رسول الله! إني صاحب إبل. قال: «فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت». هذا؛ وقوله تعالى: {سُئِلَتْ} سؤال الموءودة سؤال توبيخ لقاتلها، كما يقال للطفل؛ إذا ضرب: لم ضربت، وما ذنبك؟! هذا؛ ويقرأ: «(وإذا الموءودة سألت)». وعليه فالمعنى: تتعلق الجارية بأبيها، فتقول:

بأي ذنب قتلتني؟! فلا يكون له عذر. وختاما: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وفيه دليل بيّن على أن أطفال المشركين لا يعذبون، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بذنب.

{وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} أي: فتحت بعد أن كانت مطوية، والمراد: صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها ما فعل أهلها من خير، وشر، تطوى بالموت، وتنشر في يوم القيامة، فيقف كل إنسان على صحيفته، فيعلم ما فيها، ولو كان في الدنيا لم يقرأ، ولم يكتب، ومهما كانت لغته، فيقال له: {اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} الآية رقم [١٤] من سورة (الإسراء). فعند ذلك يقول، كما حكى الله: {وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها} رقم [٤٩]: من سورة (الكهف). هذا؛ ويقرأ: (نشرت) بتشديد الشين، وتخفيفها.

{وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ} أي: نزعت، وطويت. وقيل: قلعت كما يقلع السقف. وقيل: كشفت، وأزيلت عمن فيها. انتهى. خازن. وقال القرطبي: الكشط: قلع عن شدة التزاق، فالسماء تكشط، ككشط الجلد عن الكبش، وغيره، والقشط: لغة فيه، وقرئ بالقاف، وهي قراءة شاذة، فالسماء تنزع من مكانها كما ينزع الغطاء عن الشيء. وقيل: تطوى كما قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} الآية رقم [١٠٤]: من سورة (الأنبياء).

{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ:} أوقدت، فأضرمت للكفار، وزيد في إحمائها. قال قتادة: سعّرها غضب الله، وخطايا بني آدم. وفي الترمذي: عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أوقد على النار ألف سنة؛ حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة؛ حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة؛ حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، كالليل المظلم». وروي الحديث موقوفا على أبي هريرة. وعن أنس-رضي الله عنه-قال: تلا النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ} فقال: «أوقد عليها ألف عام؛ حتّى احمرّت، وألف عام حتى ابيضّت، وألف عام حتّى اسودّت، فهي سوداء مظلمة لا يضيء لهبها». رواه البيهقي، والأصبهاني.

{وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ:} أدنيت، وقربت من المتقين، كما قال تعالى في سورة (ق): {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}. قال الحسن البصري: إنهم يقربون منها، لا أنها تزول عن موضعها.

{عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ:} يعني عند ذلك تعلم كل نفس ما أحضرت من خير، وشر، وفي سورة (الانفطار): {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم-رضي الله عنه-

<<  <  ج: ص:  >  >>