روح المؤمن إذا قبضت صعد بها إلى السماء، وفتحت لها أبواب السماء، وتلقتها الملائكة بالبشرى، ثم يخرجون معها؛ حتى ينتهوا معها إلى العرش، فيخرج لهم من تحت العرش رق، فيرقم، ويختم فيه النجاة من الحساب يوم القيامة، ويشهده المقربون.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: {عِلِّيُّونَ} لوح من زبرجدة خضراء، معلق بالعرش، أعمالهم مكتوبة فيه. وقال الفراء:{عِلِّيُّونَ} ارتفاع بعد ارتفاع. وقال: هو اسم موضوع على صفة الجمع، ولا واحد له من لفظه، كقولك: عشرون، وثلاثون، والعرب إذا جمعت جمعا، ولم يكن له بناء من واحده، ولا تثنية؛ قالوا في المذكر، والمؤنث بالنون. ومن حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن أهل علّيّين لينظرون إلى الجنة من كذا، فإذا أشرف رجل من أهل عليين؛ أشرقت الجنة لضياء وجهه، فيقولون: ما هذا النور؟ فيقال: أشرف رجل من أهل عليين الأبرار أهل الطّاعة، والصّدق». وفي خبر آخر:«إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى الكوكب الدّرّيّ في أفق السماء». فهذا يدل على أن عليين اسم الموضع المرتفع.
{وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} أي: ما الذي أعلمك يا محمد أي شيء عليون؟! على جهة التفخيم، والتعظيم له في المنزلة الرفيعة. {كِتابٌ مَرْقُومٌ} أي: مكتوب فيه: إن فلانا أمن من النار رقما يا له من رقم ما أبهاه، وما أجمله!. {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} أي: يحضرونه، ويحفظونه. أو يشهدون بما فيه يوم القيامة لتعظيمه. والمعنى: يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء من الملائكة. ولا تنس المقابلة بين {كَالْفُجّارِ} وما لهم، وبين {الْأَبْرارِ} ومصيرهم. وتلك سنة الله في كتابه الكريم، فلا يذكر الإيمان؛ إلا ويذكر الكفر، ولا يذكر الجنة؛ إلا ويذكر النار، ولا يذكر الرحمة؛ إلا ويذكر السخط؛ ليكون المؤمن راغبا راهبا.
هذا؛ وروي: أن الملائكة تصعد بعمل العبد، فيستقبلونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه؛ أوحى إليهم: إنكم الحفظة على عبدي، وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه أخلص لي عمله، فاجعلوه في عليين، فقد غفرت له! وإنها لتصعد بعمل العبد، فيتركونه، فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله؛ أوحى إليهم: أنتم الحفظة على عبدي، وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه لم يخلص لي عمله، فاجعلوه في سجين! والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{كَلاّ:} حرف ردع وزجر، أو حرف بمعنى: حقا. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل.
{كِتابَ:} اسم {إِنَّ} وهو مضاف، و {الْأَبْرارِ} مضاف إليه. {لَفِي:} اللام: هي لام الابتداء، زحلقت إلى الخبر. (في عليين): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ} وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} إعراب هذه الآية مثل إعراب {وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ} بلا فارق. {كِتابٌ مَرْقُومٌ:} هو مثل الآية رقم [٩] بلا فارق. {يَشْهَدُهُ:} فعل