للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو الكبير الهذلي-وهو الشاهد رقم [١٢١] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد رقم [٤٤٩] كتابنا «فتح رب البرية» -: [الكامل]

أم لا سبيل إلى الشّباب وذكره... أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل

{مَخْتُومٍ:} على إنائها، ومنع من أن تمسه الأيدي إلى أن يفك ختامه الأبرار، فإن قلت:

فقد قال الله تعالى في سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم) الآية رقم [١٥]: {وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ} والنهر لا يختم عليه، فكيف طريق الجمع بين الآيتين؟! قلت: يحتمل أن يكون المذكور في هذه الآية في أوان مختوم عليها، وهي غير تلك الخمر التي في الأنهار، وإنما ختم عليها لشرفها، ونفاستها. انتهى.

خازن. هذا؛ ولا تنس: أن الله جلت قدرته نفى عنها الغول الذي يسلب العقل؛ الذي يكون في خمر الدنيا. قال تعالى في سورة (الصافات): {لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ} فاسمها في الجنة خمر، لكن طعمها أحلى من العسل، ولونها أبيض من اللبن، وهي أبرد من الثلج! نسأل الله أن يوفقنا إلى العمل الصالح في الدنيا لنفوز بفضل الله علينا في الآخرة!.

{خِتامُهُ مِسْكٌ} أي: طينته التي ختم عليه بها مسك، بخلاف خمر الدنيا، فإن ختامها طين، أمر الله تعالى بالختم عليه إكراما لأصحابها. وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: مختوم؛ أي:

ممزوج ختامه؛ أي: آخر طعمه، وعاقبته مسك. وقيل: يخرج لهم بالكافور، ويختم لهم بالمسك، وهو حسن وجيد؛ لأن سبيل الأشربة أن يكون الكدر في آخرها، فوصف شراب أهل الجنة بأن رائحة آخره رائحة المسك. هذا؛ والخاتم، والختام متقاربان في المعنى، إلا أن الخاتم الاسم، والختام المصدر. قاله الفراء. وقال الفرزدق: [الوافر]

خرجن إليّ لم يطمثن قبلي... وهنّ أصحّ من بيض النّعام

فبتن بجانبيّ مصرّعات... وبتّ أفضّ أغلاق الختام

هذا؛ وفي قوله تعالى: {خِتامُهُ مِسْكٌ} تشبيه بليغ؛ إذ الأصل ختامه كالمسك في الطيب، والبهجة. فحذف منه الأداة، ووجه الشبه: فأصبح بليغا.

{وَفِي ذلِكَ} أي: وفي هذا النعيم، والشراب الهنيء. {فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} أي: فليرغب بالمبادرة إلى طاعة الله الراغبون، وليتسابق المتسابقون. نظيره قوله تعالى في سورة (الصافات): {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ}. {وَمِزاجُهُ} أي: مزاج ذلك الرحيق، وخلطه. {مِنْ تَسْنِيمٍ} أي: شراب ينصبّ عليهم من غرفهم، ومنازلهم، وهو أشرف شراب أهل الجنة، وهو مأخوذ من العلو، ومنه: سنام البعير؛ لأنه أعلاه، ومنه أيضا: سنام الجبل، وهو قمته العليا، وكذلك {تَسْنِيمٍ}. وروي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: {تَسْنِيمٍ} عين في الجنة يشرب بها المقربون صرفا، ويمزج منها كأس أصحاب اليمين، فتطيب. وقال ابن عباس

<<  <  ج: ص:  >  >>