{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} أي: بسطت، ودكت جبالها. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«تمدّ مدّ الأديم». أي:
الجلد؛ لأن الأديم إذا مد؛ زال كل انثناء فيه، وامتد، واستوى. وقال ابن عباس، وابن مسعود -رضي الله عنهما-: ويزداد في سعتها كذا، وكذا، لوقوف الخلائق عليها للحساب؛ حتى لا يكون لأحد من البشر إلا موضع قدمه لكثرة الخلائق فيها، وقد رأيت في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام أن الأرض تبدل بأرض أخرى.
{وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ} أي: أخرجت ما فيها من الأموات، وتخلّت عنهم، وكذلك تخرج ما في بطنها من كنوزها، ومعادنها؛ أي: خلا جوفها، فليس يبقى في جوفها شيء، وذلك يؤذن بعظم الأمر، كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة. هذا؛ ووصافات الأرض بالإلقاء، والتخلية توسعا، وإلا فالتحقيق: أن المخرج لتلك الأشياء هو الله تعالى. {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ:}
ليس هذا تكرارا؛ لأن الأول في السماء، وهذا في الأرض. وأخيرا لا تنس قوله تعالى في سورة (الزلزلة): {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها}.
تنبيه: في قوله تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ} استعارة مكنية، فقد شبهت حال السماء في انقيادها لتأثير قدرة الله تعالى بانقياد المستمع المطواع للأمر. وكذلك في قوله تعالى:{وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ} استعارة مكنية أيضا، فقد شبهت حال الأرض بحال المرأة الحامل، تلقي ما فيها عند الشدة والهول، ثم حذف المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الإلقاء.
الإعراب:{إِذَا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك مبني على السكون في محل نصب. {السَّماءُ:} فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وهذا عند البصريين، وعند الكوفيين فيه ثلاثة أوجه: الأول: وافقوا فيه البصريين. والثاني: اعتبار {السَّماءُ} فاعلا مقدما، والثالث: اعتبار {السَّماءُ} مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبره، انظر الشاهد رقم [٩٩٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، فإنه جيد، والحمد لله. {اِنْشَقَّتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى {السَّماءُ} والجملة الفعلية مفسرة، لا محل لها عند البصريين، وهو المعتمد في هذه المسألة، والفعل المحذوف، وفاعله جملة فعلية في محل جر بإضافة:{إِذَا} إليها على المشهور المرجوح. {وَأَذِنَتْ:} الواو: حرف عطف. (أذنت): فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى {السَّماءُ،} والجملة الفعلية معطوفة على جملة: {اِنْشَقَّتْ} لا محل لها مثلها. {لِرَبِّها:} متعلقان بما قبلهما، وها في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {وَحُقَّتْ:} الواو: حرف عطف. (حقت): فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى {السَّماءُ،} والتاء للتأنيث، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا، والكلام الآتي كله معطوف على ما قبله، وإعرابه مثله بلا فارق.
هذا؛ واختلف في جواب {إِذَا،} فقال الفراء: (أذنت) والواو زائدة، وكذلك:(ألقت) وقال الكسائي: الجواب: {فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ..}. إلخ، وقيل: الجواب محذوف، تقديره: يقال: