الكافر. وكان ابن عباس-رضي الله عنهما-يقول: تنفع أوليائي، ولا تنفع أعدائي. وقال الجرجاني: التذكير واجب وإن لم ينفع. والمعنى: فذكر إن نفعت الذكرى، أو لم تنفع، فحذف، كما قال تعالى في سورة (النحل) رقم [٨١]: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}. وقال ابن كثير: أي: ذكر حيث تنفع التذكرة. ومن هاهنا يؤخذ الأدب في نشر العلم، فلا يضعه عند غير أهله، كما قال علي-رضي الله عنه-: (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم). وقال: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟! والظاهر: أن أمره بالتذكير مشروط بنفع الذكرى، وهذا الشرط إنما جيء به توبيخا لقريش؛ أي: فذكر إن نفعت الذكرى في هؤلاء الطغاة العتاة، ومعناه استبعاد انتفاعهم بالذكرى، كما قال أبو تمام-رحمه الله تعالى-: [الوافر]
لقد أسمعت لو ناديت حيا... ولكن لا حياة لمن تنادي
هذا؛ وقال الفخر الرازي-رحمه الله تعالى-: واعلم: أنه صلّى الله عليه وسلّم كان مبعوثا إلى الكل، فيجب عليه أن يذكرهم، سواء نفعتهم الذكرى، أم لم تنفعهم؟ والجواب: أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين، ونبه على الحالة الأخرى. كقوله تعالى:{سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} والتقدير: فذكر إن نفعت الذكرى، أو لم تنفع، وأجيب عنه أيضا بأن التذكير العام واجب في أول الأمر، وأما التكرير، فلعله يجب عند رجاء حصول المقصود، فلهذا المعنى قيده بهذا الشرط، والتذكير المأمور به: هل هو محصور في عشر مرات، أو غير محصور، والجواب أن الضابط فيه العرف.
{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى:} سينتفع بهذه الذكرى، والموعظة من يخاف الله. قال الفخر الرازي-رحمه الله تعالى-: اعلم: أن الناس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام: منهم من قطع بصحة المعاد، ومنهم من جوز وجوده، ولكنه غير قاطع فيه بالنفي، والإثبات، ومنه من أصر على إنكاره (أي: المعاد) وقطع بأنه لا يكون، فالقسمان الأولان، تكون الخشية حاصلة لهما، وأما القسم الثالث فلا خشية، ولا خوف، فلما قال الله جلّ ذكره:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى} بين: أن الذي تنفعه الذكرى من يخشى، ولما كان الانتفاع بالذكرى مبنيا على حصول الخشية في القلب، وصفات القلوب لا يطلع عليها إلا الله، وجب على الرسول صلّى الله عليه وسلّم تعميم الدعوة تحصيلا للمقصود، فإن المقصود تذكير من ينتفع بالتذكير، ولا سبيل إليه إلا بتعميم التذكير، والسين في:{سَيَذَّكَّرُ} بمعنى سوف، وسوف من الله واجب كقوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى} انتهى. جمل. نقلا من الفخر.
هذا؛ والخشية: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، وهو المراد منه بخشية عباد الله المؤمنين المتكررة في القرآن الكريم. هذا؛ والماضي: خشي، والمصدر: خشية، والرجل: خشيان، والمرأة: خشيا، وهذا المكان أخشى من ذلك؛ أي: أشد خوفا. هذا؛ وقد يأتي الفعل «خشي» بمعنى: علم القلبية. قال الشاعر المسلم:[الكامل]