للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البعيدة، وتحمل الثقيل، وتحلب الكثير، ويأكل من لحمها الجم الغفير، وتصبر على العطش عدة أيام. ومنها: أنه يحمل عليها، وهي باركة، ثم تنهض، وكان شريح القاضي-رحمه الله تعالى- يقول: اخرجوا بنا إلى الإبل؛ لننظر كيف خلقت.

فإن قلت: كيف حسن ذكر الإبل مع السماء، والأرض، والجبال، ولا مناسبة بينهما؟! ولم بدأ بذكر الإبل قبل السماء، والأرض، والجبال؟ قلت: لما كان المراد ذكر الدلائل الدالة على توحيده، وقدرته، وأنه الخالق لهذه الأشياء جميعها، وكانت الإبل من أعظم شيء عند العرب، فينظرون إليها ليلا، ونهارا، ويصاحبونها ظعنا، وسفرا؛ ذكرهم عظيم نعمته عليهم فيها. ولهذا بدأ بها؛ لأنها من أعجب الحيوانات عندهم. انتهى. كله من الخازن. وما أحراك أن تنظر ما ذكر في سورة (يس) الآية رقم [٧١] وما بعدها.

هذا؛ وقال القرطبي: وقيل: الإبل هنا القطع العظيمة من السّحاب. قاله المبرد. قال الثعلبي: وقيل في الإبل هنا: السحاب، ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة. قلت: قد ذكر الأصمعي قال أبو عمرو: من قرأها بالتخفيف عنى به البعير، ومن قرأها بالتثقيل «(الإبلّ)» عنى بها السحاب التي تحمل الماء للمطر. انتهى. قرطبي بتصرف كبير.

هذا؛ والإبل: اسم جمع لا واحد له من لفظه، فمفرده: جمل، أو ناقة، والبعير يشملهما كالإنسان للرجل، والمرأة، وقوله تعالى حكاية عن قول أولاد يعقوب لأبيهم: {وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} دليل واضح على ذلك. هذا؛ ويجمع على: آبال، والإبل مؤنثة؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها، إذا كانت لغير الآدميين، مثل: خيل، وغنم، وإبل، فالتأنيث لها لازم، وإذا قالوا: خيلان، وغنمان، وإبلان، فإنما يريدون قطيعين من الخيل، والغنم، والإبل.

{وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ:} فوق الأرض بغير عمد، ولا ينالها شيء. قال تعالى في سورة (الرعد) رقم [٢]: {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها}. {وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} أي: على الأرض نصبا ثابتا راسخا لا يزول. وذلك: أن الأرض لما دحيت؛ مادت، فأرساها بالجبال، كما قال: {وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} رقم [٣١] من سورة (الأنبياء)، وفي سورة (النحل) رقم [١٥]: {وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}. {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} أي:

بسطت، ومهدت بحيث يستقر على ظهرها كل شيء. أثبت علماء المسلمين: أن الأرض كروية الشكل كالإمام الفخر الرازي، وأبي السعود، والآلوسي. ومعنى كونها مسطحة، أو مبسوطة، فإنما هي بالنسبة لعظمتها وسمتها، أو بالنسبة للناظرين، فليس في القرآن ما يخالف الحقائق العلمية. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٠] من سورة (النازعات).

هذا؛ وقد قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: المعنى: هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع مثل السماء، أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض غير الله القادر على كل شيء؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>