للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأُخْرى كافِرَةٌ} أي: بالله، ورسوله. {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ:} يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المشركين، وكانوا قريبا من ألف مقاتل، أو مثلي عدد المسلمين، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وكان ذلك بعد أن قلّلهم الله في أعينهم، حتى اجترءوا عليهم، وتوجّهوا إليهم، فلمّا لاقوهم؛ كثروا في أعينهم؛ حتّى غلبوا. وكان ذلك مددا من الله تعالى للمؤمنين. أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين، قال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٤٣]:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً} إلخ، وقال في الآية بعدها {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} إلخ؛ حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه لمن كان بجانبه: أتراهم سبعين؟ قال:

أراهم مائة، قال: فلما أخذنا الأسارى؛ أخبرونا: أنهم كانوا ألفا.

{وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ} أي: كما أيّد المسلمين السابقين في غزوة بدر، وغيرها.

{إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ} أي: لعظة، وتذكيرا، واعتبارا لأصحاب العقول السليمة، والبصائر النيرة، فيستدلّون بذلك على قدرة الله تعالى، وقال تعالى في سورة (الحشر):

{فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ} فيكون {الْأَبْصارِ} جمع: بصيرة، وهو غير معروف في اللغة؛ لأنّ جمع البصيرة بصائر، فالأولى اعتباره جمع: بصر بمعنى العلم.

هذا؛ والعين تطلق على الماء الجاري، أو النابع من الأرض، وجمعها في القلّة: أعين، وفي الكثرة: عيون، قال تعالى في سورة (الذاريات) وغيرها: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ} وتجمع في الكثرة أيضا على: أعيان، وهذا غير مشهور، وقليل الاستعمال. كما تطلق العين على العين الباصرة، وهو أكثر، وأشهر ما تستعمل في أولئك، كما تطلق على الجاسوس، كما في قولك: بث الأمير عيونه في المدينة، أي: بث جواسيسه، كما تطلق على ذات الشخص، كما في قولك: جاء خالد عينه، وتطلق على الشّمس. وعين الشيء خياره، وتطلق على النقد من ذهب، وغيره، وإليك قول الشاعر: [البسيط]

واستخدموا العين منّي وهي جارية... وقد سمحت بها أيّام وصلهمو

فالمراد ب‍ «العين» نفسه، وذاته، والمراد ب‍ «جارية» عينه الباصرة، الّتي تجري بالدّمع.

والمراد بقوله: (بها): نقد الذهب، وهذا يسمّى في فن البديع استخداما. وتطلق العين على أشياء كثيرة أيضا، وعلى المطر الهاطل من السّحاب، قال عنترة في معلقته رقم [٢٩] وهو الشاهد رقم [٣٥٩] من كتابنا فتح القريب المجيب: [الكامل]

جادت عليه كلّ عين ثرّة... فتركن كلّ حديقة كالدّرهم

هذا؛ وأعيان القوم: أشرافهم، وبنو الأعيان: الأخوة من الأبوين.

الإعراب: {قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {كانَ:} فعل ماض ناقص.

{لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب‍ {كانَ} أو هما متعلقان بمحذوف خبر: {كانَ} تقدّم على

<<  <  ج: ص:  >  >>