للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: هي العشر الأواخر من رمضان؛ لأن فيها ليلة القدر، ولأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا ليله، وشد مئزره، وأيقظ أهله للعبادة. وقيل: هي العشر الأول من المحرم، وهو تنبيه على شرفه، ولأن فيه يوم عاشوراء. وهو أضعفها. وأقواها الأول.

{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ:} الشفع: الاثنان، والوتر: الفرد. واختلف في ذلك أيضا؛ قيل: الشفع: هو الخلق، والوتر: هو الله تعالى. يروى ذلك عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-. وقيل:

الشفع: هو الخلق كالإيمان، والكفر. والهدى، والضلالة. والسعادة، والشقاوة. والليل، والنهار. والأرض، والسماء. والشمس، والقمر. والبر، والبحر. والنور، والظلمة. والجنّ، والإنس. والوتر: هو الله تعالى. وقيل: الخلق كله فيه شفع، وفيه وتر. وقيل: الصلوات الخمس منها شفع، ومنها وتر. عن عمران بن حصين-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن الشفع، والوتر، فقال: «هي الصلاة، بعضها شفع، وبعضها وتر». أخرجه الترمذي. وقال: حديث غريب. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: «الشفع صلاة الغداة، والوتر صلاة المغرب».

وقال أبو بكر الوراق: الشفع تضاد أوصاف المخلوقين: العز، والذل. والقدرة، والعجز.

والقوة، والضعف. والعلم، والجهل. والحياة، والموت. والبصر، والعمى. والسمع، والصمم. والكلام، والخرس. والوتر: انفراد صفات الله تعالى: عزّ بلا ذل، وقدرة بلا عجز.

وقوة بلا ضعف. وعلم بلا جهل. وحياة بلا موت. وبصر بلا عمى. وكلام بلا خرس. وسمع بلا صمم. وما وازاها. وقال الحسين بن الفضيل: الشفع: درجات الجنة، وهي ثمان، والوتر:

دركات النار، وهي سبع، فكأنه أقسم بالجنة، والنار. وقيل: غير ذلك.

وقال أبو حيان-رحمه الله تعالى-: {وَلَيالٍ عَشْرٍ} ذكر في كتاب التحرير، والتحبير فيهما ستة وثلاثين قولا ضجرنا قراءتها فضلا عن كتابتها في كتابنا هذا. وقال الزمخشري: وقد أكثروا في الشفع، والوتر؛ حتى كادوا يستوعبون معظم ما يقعان فيه، وذلك قليل الطائل، جدير بالتلهي عنه. هذا؛ ويجمع الشفع على: أشفاع، وشفاع، ويجمع الوتر على: أوتار. هذا؛ ويقرأ (الوتر) بفتح الواو، وكسرها لغتان كالحبر والحبر. والفتح لغة قريش، ومن والاها، والكسر لغة تميم.

ولا تنس الطباق بين (الشفع) و (الوتر)، وهو من المحسنات البديعية.

{وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ:} هذا قسم خامس، بعد أن أقسم الله بالليالي العشر على الخصوص، أقسم الله بالليل على العموم. ومعنى: يسري؛ أي: يسرى فيه، كما يقال: ليل قائم، ونهار صائم. قال جرير: [الطويل]

لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى... ونمت وما ليل المطيّ بنائم

ومنه قوله تعالى في سورة (سبأ) رقم [٣٣]: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} انظر شرحها هناك؛ فإنه جيد. وهذا قول أكثر أهل المعاني، وهو قول القتبي، والأخفش، فهو مجاز في الإسناد،

<<  <  ج: ص:  >  >>