للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وقال الزمخشري، والنسفي، وغيرهما: نظير قوله تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ} في الاستقبال قوله تعالى في سورة (الزمر) رقم [٣]: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أقول: إذ المعنى: أنت ستحل حرمة هذا البلد، وإنك ستموت، وإنهم سيموتون. وقال البيضاوي: وإيثار (ما) على «من» لمعنى التعجب، كما في قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٣٦]: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ} أي: وضعت (ما) مكان: «من» لإفادة التعجب؛ لأن (ما) لغير العاقل، و «من» للعاقل. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ} أي: في شدة، وعناء من مكابدة الدنيا، وأصل الكبد: الشدة، ويقال: كابدت هذا الأمر؛ أي: قاسيت شدته. قال لبيد بن ربيعة-رضي الله عنه-: [المنسرح]

يا عين هلاّ بكيت أربد إذ... قمنا وقام الخصوم في كبد

قال يمان: لم يخلق الله خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق. وقيل:

يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة. قال علماؤنا: أول ما يكابد قطع سرته، ثم إذا قمط قماطا، وشدّ رباطا، يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد نبت أسنانه، وتحرك لسانه، ثم يكابد الفطام؛ الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الختان، والأوجاع، والأحزان، ثم يكابد المعلم، وصولته، والمؤدب، وسياسته، والأستاذ، وهيبته، ثم يكابد شغل الترويج، والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم، والأجناد، ثم يكابد شغل الدور، وبناء القصور، ثم الكبر، والهرم، وضعف الركبة، والقدم في مصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغمّ الدّين، ووجع السنّ، وألم الأذن. ويكابد محنا في المال، والنفس، مثل الضرب، والحبس، ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، ولا يكابد إلا مشقة، ثم الموت بعد ذلك كله، ثم مساءلة الملك في القبر، وضغطة القبر، وظلمته، ثم البعث، والعرض على الله إلى أن يستقر به القرار، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. انتهى. قرطبي.

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: الكبد: الاستواء، والاستقامة، فعلى هذا يكون المعنى: خلقنا الإنسان منتصبا، معتدل القامة، وكل شيء من الحيوان يمشي منكبا. وقيل: منتصبا في بطن أمه، فإذا أذن الله في خروجه، انقلب رأسه إلى أسفل. انتهى. خازن، والمعتمد الأول.

الإعراب: {لا:} انظر الكلام عليها في الشرح. {أُقْسِمُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر وجوبا، تقديره: «أنا». {بِهذَا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء حرف تنبيه مقحم بين الجار، والمجرور. {الْبَلَدِ:} صفة، أو بدل من اسم الإشارة. {وَأَنْتَ:} الواو: واو الاعتراض. (أنت): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {حِلٌّ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معترضة بين الاسمين المتعاطفين، وقيل: هي في محل نصب حال من

<<  <  ج: ص:  >  >>