للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمَنُوا قائما مقام التكرير، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة، ولا آمن. وقيل: هو جار مجرى الدعاء، كقوله: لا نجا، ولا سلم. هذا؛ وقيل: معنى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ:} فلم يقتحم العقبة، ومنه قول زهير في معلقته رقم [٤٠]: [الطويل]

وكان طوى كشحا على مستكنّة... فلا هو أبداها ولم يتقدّم

أي: فلم يبدها، ولم يتقدم. وكذا قال المبرد، وأبو علي الفارسي: (لا) بمعنى: «لم».

وقال ابن هشام في المغني: فإن (لا) فيه مكررة في المعنى؛ لأن المعنى: فلا فك رقبة، ولا أطعم مسكينا؛ لأن ذلك تفسير للعقبة.

{وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ} أي: أي شيء العقبة تفخيما لشأنها، وتعظيما لقدرها. والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد كل عاقل يهمه أمر دينه، وآخرته. قال يحيى بن سلام-رحمه الله تعالى-:

بلغني: أن كل شيء في القرآن: {وَما أَدْراكَ} فقد أدراه إياه، وعلمه. وكل شيء قال: {وَما يُدْرِيكَ} فهو مما لم يعلمه. وقال سفيان بن عيينة-رحمه الله تعالى-: كل شيء قال فيه: {وَما أَدْراكَ} فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه: {وَما يُدْرِيكَ} فإنه لم يخبر به. وانظر شرح (درى) في آخر سورة (الانفطار) تجد ما يسرك.

{فَكُّ رَقَبَةٍ:} فكها: خلاصها من الأسر. وقيل: من الرق. وقد رغب القرآن، وحثّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على تحرير الرق. وخذ من ذلك ما يلي: فعن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعتق رقبة مؤمنة؛ أعتق الله بكلّ إرب (عضو) منها إربا منه من النار، حتى إنه ليعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج». فقال علي بن الحسين-رضي الله عنهما-: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال سعيد: نعم، فقال علي بن الحسين لغلام له أفره غلمانه: ادع مطرفا، فلما قام بين يديه؛ قال: اذهب فأنت حرّ لوجه الله.

أخرجه الشيخان، وغيرهما. وعند مسلم: أن هذا الغلام الذي أعتقه علي بن الحسين زين العابدين كان قد أعطي فيه عشرة آلاف درهم.

وعن عمرو بن عبسة-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من بنى مسجدا؛ ليذكر الله فيه؛ بنى الله له بيتا في الجنة. ومن أعتق نفسا مسلمة؛ كانت فديته من النار. ومن شاب شيبة في الإسلام؛ كانت له نورا يوم القيامة» أخرجه الإمام أحمد.

وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث؛ أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم. ومن شاب شيبة في سبيل الله؛ كانت له نورا يوم القيامة.

ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ به العدوّ، أصاب، أو أخطأ؛ كان له عتق رقبة. ومن أعتق رقبة مؤمنة؛ أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار. ومن أعتق زوجين في سبيل الله؛ فإنّ للجنة ثمانية أبواب، يدخله الله من أيّ باب شاء منها». أخرجه الإمام أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>