للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو كنت جارا يا بن قيس بن عاصم... لما بتّ شبعانا وجارك ساغبا

يريد فلو كنت جارا قائما بحق الجوار؛ لما حدث هذا؛ أي: شبعك، وجوع الجار. هذا؛ والمسغبة، والمقربة، والمتربة مفعلات من: سغب: إذا جاع، وقرب في النسب، يقال: فلان ذو قرابتي، وذو مقربتي، والمسغبة... إلخ: كل واحد منها مصدر ميمي على وزن: مفعلة.

هذا؛ ووصف اليوم بذي مسغبة، كقولهم: همّ ناصب؛ أي: ذو نصب. هذا؛ وإطعام الطعام فضيلة، وهو مع السغب الذي هو الجوع أفضل. وعن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قال:

سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي: الأعمال أفضل؟ قال: «إدخالك السرور على مؤمن أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت حاجة له». رواه الطبراني، وعن معاذ بن جبل-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أطعم مؤمنا حتّى يشبعه من سغب، أدخله الله بابا من أبواب الجنة، لا يدخله إلاّ من كان مثله». أخرجه الطبراني، وروي عنه صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «من موجبات الرحمة إطعام المسلم السغبان».

{يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ} أي: قرابة. يقال: فلان ذو قرابتي، وذو مقربتي. يخبرنا الله جلت قدرته أن الصدقة على القرابة أفضل منها على غير القرابة، كما أن الصدقة على اليتيم الذي لا كافل له أفضل من الصدقة على اليتيم الذي يجد من يكفله. وخذ ما يلي:

فعن سلمان بن عامر-رضي الله عنه-قال: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة، وصلة». أخرجه النسائي، والترمذي، وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما رجل أتاه ابن عمّه يسأله من فضله، فمنعه، منعه الله فضله يوم القيامة». أخرجه الطبراني. ومن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصدقة على ذي الرّحم الكاشح».

وخذ قول زهير في معلقته رقم [٥١]. [الطويل]

ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله... على قومه يستغن عنه ويذمم

وعن سهل بن سعد-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا». (وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما) رواه البخاري، وأبو داود، والترمذي. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كافل اليتيم له، أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنّة». (وأشار مالك بالسبابة والوسطى) رواه مسلم، ومالك، ومعنى «له»: بينه وبينه قرابة بأن يكون جدا، أو عما، أو أخا، أو نحو ذلك من الأقارب، أو يكون أبو المولود قد مات فتقوم الأم مقامه، أو ماتت الأم فيقوم أبوه في التربية مقامها، ومعنى «لغيره»: بأن يكون غريبا عن الكافل، فيحضنه ويكفله، ولا قرابة بينهما، وقد يكون ثوابه أكثر، وأجره أعظم بلا ريب، ولا شك.

{أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ} أي: لا شيء له؛ حتى كأنه قد لصق بالتراب من الفقر، ليس له مأوى إلا التراب، وترب: إذا افتقر. قال الهذلي: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>