للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك؛ لأن الكافر قد يطعم اليتيم، والمسكين، ويفك، أو يعين في فك الرقبة. وهذا؛ واقع في هذه الدنيا، ولكن لا ينفعه ذلك بدون إيمان بالله، وبالإسلام، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن شرط قبول العمل الصالح أن يكون مقرونا بالإيمان، والعكس صحيح، وهو أن الإيمان قد لا يجدي بدون عمل صالح، وكلاهما يسمى: احتراسا. وقد نوهت به كثيرا فيما مضى.

هذا؛ وقد قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: فإن من شرط قبول الطاعات الإيمان بالله، فالإيمان بالله بعد الإنفاق لا ينفع، بل يجب أن تكون الطاعة مصحوبة بالإيمان. قال الله تعالى في المنافقين: {وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ} الآية رقم [٥٤] من سورة (التوبة). وقالت عائشة-رضي الله عنها-: يا رسول الله! إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم الطعام، ويفك العاني، ويعتق الرقاب، ويحمل على إبله لله، فهل ينفعه ذلك شيئا؟ قال: «لا! إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين». انتهى. هذا؛ ومثل الآية قوله تعالى في سورة (طه) رقم [٨٢]: {وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى}. وقيل: أتى بهذه القرب لوجه الله، ثم آمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم. وقد قال حكيم بن حزام-رضي الله عنه-بعد أن أسلم: يا رسول الله! إنا كنا نتحنث بأعمال الجاهلية، فهل لنا منها شيء؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أسلمت على ما أسلفت من الخير». وقيل: إن {ثُمَّ} بمعنى الواو؛ أي: وكان هذا المعتق الرقبة، والمطعم في المسغبة من الذين آمنوا.

{وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} أي: وصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله، وعن معاصيه، وعلى ما أصابهم من البلايا، والمصائب، انظر شرح (الصبر) في الآية رقم [١٠] من سورة (المزمل)، {وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} أي: بالرحمة على الخلق، فإنهم إذا فعلوا ذلك؛ رحموا اليتيم، والمسكين.

وخذ نبذة من أحاديث حبيب الحق، وسيد الخلق، الناطق بالصدق: فعن جرير بن عبد الله-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله». رواه الشيخان وغيرهما.

وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الرّاحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء». رواه أبو داود، والترمذي، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت الصادق المصدوق صاحب هذه الحجرة أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تنزع الرحمة إلا من شقيّ». رواه أبو داود، والترمذي.

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن رجلا أضجع شاة، وهو يحدّ شفرته، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أتريد أن تميتها موتتين؟ هلاّ أحددت شفرتك قبل أن تضجعها». رواه الطبراني، والحاكم. وعن ابن سيرين: أن عمر-رضي الله عنه-رأى رجلا يسحب شاة برجلها؛ ليذبحها، فقال له: ويلك! قدها إلى الموت قودا جميلا. ولا تنس الأحاديث؛ التي تحث على الرفق والرحمة بالعبيد والمستضعفين. {أُولئِكَ} يعني: أصحاب هذه الخصال الحميدة. {أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} أي: الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم. وانظر ما ذكرته في سورة (الواقعة) رقم [٨] ففيها الكفاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>