للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سورة (الإسراء) رقم [٨٥]. ولما نزل جبريل الأمين على سيد المرسلين؛ قال له: «يا جبريل ما حبسك عني؟ لقد اشتقت إليك؟!». فقال جبريل عليه السّلام: إني كنت إليك أشد شوقا، ولكني عبد مأمور، ونزل قوله تعالى في سورة (مريم): {وَما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} ولما قرأ جبريل الأمين على سيد المرسلين سورة (الضحى) كبّر صلّى الله عليه وسلّم في آخرها فقال: «لا إله إلاّ الله والله أكبر». وصار التكبير سنة في آخرها، وآخر السور إلى آخر سورة (الناس).

هذا؛ واختلف في مدة احتباس الوحي، وجبريل عنه صلّى الله عليه وسلّم. فقيل: اثنا عشر يوما. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: خمسة عشر يوما. وقيل: أربعون يوما.

الشرح: {وَالضُّحى} قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: المراد به النهار كلّه، لقوله: {وَاللَّيْلِ إِذا سَجى} فقابله بالليل، وفي سورة (الأعراف): {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} أي: نهارا. وقال قتادة، ومقاتل، وجعفر الصادق: أقسم الله بالضحى الذي كلم الله فيه موسى، وبليلة المعراج. وقيل:

هي الساعة التي خرّ فيها السحرة سجدا، بيانه قوله تعالى: {وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى}. انتهى.

قرطبي. وانظر شرح (الضحى) في سورة (الشمس).

أقول: أقسم الله بالضحى تنويها بشأنه، وتعظيما لقدره، ولذا رغب الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالصلاة في وقت الضحى، فقال: «لا يحافظ على صلاة الضحى إلاّ أوّاب». قال: «وهي صلاة الأوّابين».

رواه الطبراني عن أبي هريرة-رضي الله عنه-. وعنه أيضا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنة بابا، يقال له: الضحى، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الّذين كانوا يديمون صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله». أخرجه الطبراني.

وعن أبي ذر الغفاري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة، فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى». رواه مسلم.

{إِذا سَجى:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أقبل بظلامه. وعنه أيضا: إذا ذهب.

وقيل: معناه: غطى كل شيء بظلامه. وقيل: معناه: سكن فاستقر ظلامه، فلا يزداد. قاله قتادة، ومجاهد، وابن زيد، وعكرمة. يقال: عين ساجية. أي: ساكنة. ويقال: سجا الليل، يسجو سجوّا: إذا سكن. والبحر سجا: سكن. قال الأعشى: [الطويل]

فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمّكم... وبحرك ساج ما يواري الدّعامصا

<<  <  ج: ص:  >  >>