للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{جَنّاتٌ:} جمع: جنة، وهي البستان من النخل، والشّجر الكثير المتكاثف؛ الّذي يجنّ؛ أي: يستر ما يكون متداخلا فيه. وسمّيت دار الثواب: جنّة؛ لما فيها من النّعيم؛ الذي لا ينفد.

وجمع الجنّة على جنّات يدلّ على جنات كثيرة مرتّبة مراتب بحسب أعمال العاملين، لكلّ طبقة منهم جنّة من تلك الجنان، وهي سبع، بل ثمان: جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة النعيم، ودار الخلد، ودار المقامة، ودار السّلام، وجنة المأوى، وعليّون، وفي كل منها مراتب ودرجات متفاوتة على حسب درجات الأعمال، والعمال. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} أي: من تحت قصورها، وأشجارها، ولم يجر لها ذكر؛ لأن الجنّات تدلّ عليها، والأنهار لا تجري، وإنما يجري الماء فيها، فهو من تسمية الشيء باسم محله، ويسمى مجازا مرسلا، وهو كثير في كتاب الله تعالى، مثل قوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} أي أهلها، وقال الشاعر: [الكامل]

نبّئت أنّ النّار بعدك أوقدت... واستبّ بعدك يا كليب المجلس

أي: أهل المجلس. هذا؛ و {الْأَنْهارُ} جمع: نهر، وهو معروف في الدّنيا، ولكن شتان ما بين أنهار الجنّة، وأنهار الدّنيا، فأنهار الجنة من أنواع الأشربة من العسل، واللبن، والخمر، والماء وغير ذلك. هذا؛ ويجمع النّهر على أنهر، ونهر، ونهور، وأنهار. وهاء النّهر تسكّن، وتفتح؛ هذا وروي: أنّ أنهار الجنّة ليست في أخاديد، إنّما تجري على سطح الجنة منضبطة بالقدرة حيث شاء أهلها.

{خالِدِينَ فِيها:} ماكثين مقيمين فيها أبدا. وهذا من تمام السّعادة، فإنّهم مع هذا النعيم في مقام أمين، يعيشون مع زوجاتهم في هناء خالد، لا يعتريه انقطاع، ولا يصيبهم مرض، ولا همّ، ولا غمّ، ولا يطرأ عليهم عجز، وشيخوخة، فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهم-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أهل الجنة يأكلون فيها، ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوّطون، ولا يمتخطون». قالوا: فما بال الطعام؟! قال: «جشاء، ورشح كرشح المسك. يلهمون التّسبيح، والتّحميد، كما تلهمون النّفس».

{وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ} أي: ولهم في الجنّة زوجات مطهّرات من الأقذار، والأدناس الحسّيّة، والمعنويّة. فالحسّيّة: مثل الحيض، والنفاس، والبول، والغائط، والنّخام. والمعنوية: مثل سوء الخلق، وإيذاء الأزواج، وعدم طاعتهم، والانصياع لأوامرهم. وكذلك نساء الدّنيا المؤمنات يكنّ يوم القيامة أجمل من الحور العين، كما قال تعالى في سورة (الواقعة): {إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً} ولكل مؤمن في الجنة زوجتان من نساء الدنيا، وعدد من الحور العين على حسب درجته، ومكانته عند الله تعالى. {وَرِضْوانٌ:} أي يحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم بعده أبدا، ولهذا قال تعالى في سورة (براءة): {وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ} أي:

إنّ رضوان الله الذي ينزله عليهم أكبر من كلّ ما سلف ذكره من نعيم الجنّة. وخذ ما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>