للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون ذلك على حذف مضاف؛ أي: ومنابت التين والزيتون، ولكن لا دليل على ذلك من ظاهر التنزيل، ولا من قول من لا يجوز خلافه. قاله النحاس.

قال القرطبي-رحمه الله-: أصح هذه الأقوال الأول؛ لأنه الحقيقة، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل. وإنما أقسم بالتين؛ لأنه كان ستر آدم في الجنة؛ لقوله تعالى: {وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} رقم [٢٢] من سورة (الأعراف)، والآية رقم [١٢١] من سورة (طه).

وقيل: أقسم به ليبين وجه المنة العظمى فيه، فإنه جميل المنظر، طيب المخبر، نشر الرائحة، سهل الجنى، على قدر المضغة، وقد أحسن القائل فيه: [المنسرح]

انظر إلى التّين في الغصون ضحى... ممزّق الجلد مائل العنق

كأنّه ربّ نعمة سلبت... فعاد بعد الجديد في الخلق

أصغر ما في النهود أكبره... لكن ينادى عليه في الطّرق

وقال آخر: [البسيط]

التّين يعدل عندي كلّ فاكهة... إذا انثنى حائلا في غصنه الزاهي

مخمّش الوجه قد سالت حلاوته... كأنه راكع من خشية الله

وأقسم ب‍: (الزيتون)؛ لأنه مثل به إبراهيم عليه السّلام في قوله: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ..}. إلخ رقم [٣٥] من سورة (النور)، وهو أكثر أدم أهل الشام، والمغرب يصطبغون به، ويستعملونه في طعامهم، ويستصبحون به، ويداوى به أدواء الجوف، والقروح، والجراحات، وفيه منافع كثيرة.

{وَطُورِ سِينِينَ} يعني: الجبل الذي كلم الله عليه موسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، و {سِينِينَ} اسم للمكان الذي فيه الجبل، سمي: سينين، وسيناء لحسنه، ولكونه مباركا، وكل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى: سينين وسيناء. قال تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [٢٠]: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} ولم ينصرف {سِينِينَ،} كما لم ينصرف: سيناء؛ لأنه جعل اسما لبقعة، أو أرض، ولو جعل اسما للمكان، أو للمنزل، أو اسم مذكر؛ لانصرف.

{وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} يعني: الآمن، وهو مكة حرسها الله تعالى؛ لأنه الحرم الذي يأمن فيه الناس في الجاهلية، والإسلام، لا ينفر صيده، ولا يعضد شجره، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد، كما قال تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٦٧]: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وكان ذلك تحقيقا لدعوة إبراهيم، وإجابة لسؤاله، كما رأيت في سورة (البقرة) رقم [١٢٦]، ورقم [٣٥] من سورة (إبراهيم).

<<  <  ج: ص:  >  >>