للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقله، وما أشنع فعله! قال أبو السعود: هذه الآية تقبيح وتشنيع لحال الطاغي، وتعجيب منها، وإيذان بأنها من الشناعة، والغرابة بحيث يقضي منها العجب. وقد أجمع المفسرون على أن العبد المصلي هو محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأن الذي نهاه هو أبو جهل اللعين؛ حيث قال: لئن رأيت محمدا يصلي؛ لأطأن عنقه! وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم. فقال: واللات، والعزى لئن رأيته يفعل ذلك؛ لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب! قال: فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وهو يصلي؛ ليطأ على رقبته. قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه! فقيل له: مالك؟! قال: إن بيني وبينه خندقا من نار، وهولا، وأجنحة! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لو دنا مني؛ لاختطفته الملائكة عضوا عضوا». فأنزل الله هذه الآية. انتهى. خازن.

والمعنى: أرأيت الذي ينهى أشد الخلق عبودية لله عن طاعته لله تعالى، وهذا دأبه، وعادته.

وقيل: إن هذا الوعيد يلزم لكل من ينهى عن الصلاة، وعن طاعة الله تعالى، ولا يلزم منه عدم جواز المنع من الصلاة في الدار المغصوبة، وفي الأوقات المكروهة؛ لأنه قد ورد النهي عن ذلك في الأحاديث الصحيحة، ولا يلزم من ذلك أيضا عدم جواز السيد عبده، والرجل زوجته عن قيام الليل، وصوم التطوع، والاعتكاف؛ لأن في ذلك استيفاء مصلحة، إلا أن يأذن فيه المولى، والزوج. انتهى. خازن.

هذا؛ والمراد ب‍: {عَبْداً} النبي صلّى الله عليه وسلّم، والتنكير للتفخيم، والتعظيم، وللمبالغة في تقبيح النهي، والدلالة على كمال عبودية المنهي. هذا؛ وذكر العبودية مقام عظيم، ولو كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم اسم أشرف منه؛ لسماه به في المقام العظيم في ليلة الإسراء، والمعراج؛ حيث قال جل ذكره:

{سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ}. وفي معناه أنشدوا: [السريع]

يا قوم قلبي عند زهراء... يعرفه السّامع والرّائي

لا تدعني إلاّ بيا عبدها... فإنه أشرف أسمائي

علما بأنه صلّى الله عليه وسلّم، لم يذكر باسمه الصريح في القرآن إلا قليلا، ذكر باسم محمد في سورة (آل عمران) وسورة (الأحزاب) وسورة (محمد) وسورة (الفتح) وذكر باسم: أحمد في سورة (الصف) وذكر باسم طه في سورة (طه) وذكر باسم: ياسين في سورة (يس). هذا؛ والعبد:

الإنسان حرا كان، أو رقيقا، ويجمع على: عبيد، وعباد، وأعبد، وعبدان، وعبدة، وغير ذلك.

الإعراب: {أَرَأَيْتَ:} الهمزة: حرف استفهام تعجبي. (رأيت): فعل، وفاعل. {الَّذِي:}

اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وانظر الكلام على المفعول الثاني

<<  <  ج: ص:  >  >>