وسميت ليلة القدر؛ لأن فيها تقدير الأمور، والأحكام، والأرزاق، والآجال، وما يكون في تلك السنة إلى مثل هذه الليلة من السنة المقبلة، يقدر الله ذلك في بلاده، وعباده. ومعنى هذا:
أن الله يظهر ذلك لملائكته، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم بأن يكتب لهم ما قدره في تلك الليلة ويعرفهم إياه، وليس المراد منه: أنه يحدثه في تلك الليلة؛ لأن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات، والأرض في الأزل.
قيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات، والأرض؟ قال: نعم. قيل له: فما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر. وقيل: سميت ليلة القدر لعظم قدرها، وشرفها على الليالي، من قولهم: لفلان قدر عند الأمير؛ أي: منزلة، وجاه. وقيل: سميت بذلك؛ لأن العمل الصالح يكون فيها ذا قدر عند الله؛ لكونه مقبولا. وقيل: سميت بذلك؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة فيها. انتهى. خازن. أخذا من قوله تعالى في سورة الطلاق رقم [٧]: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ..}. إلخ. هذا؛ وانظر ما ذكرته في آخر سورة (الجمعة) من مناقشة قول من يقول بتفضيل ليلة المولد النبوي الشريف على ليلة القدر، وليلة الجمعة وليلة عرفة... إلخ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
{وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: أيّ شيء يبلغ درايتك قدرها ومبلغ فضلها؟ وهذا على سبيل التعظيم لها، والتشويق إلى خيرها، وبركتها، ثم بين الله فضلها من ثلاثة أوجه، وهو ما ذكره في الآيات الثلاث الآتية. هذا؛ وقال يحيى بن سلام-رحمه الله تعالى-: بلغني: أن كل شيء في القرآن: {وَما أَدْراكَ} فقد أدراه إياه، وعلمه، وكل شيء قال:{وَما يُدْرِيكَ} فهو مما لم يعلمه.
وانظر شرح درى، يدري في آخر سورة (الانفطار)؛ تجد ما يسرك.
الإعراب:{إِنّا:}(إنّ): حرف مشبه بالفعل. و (نا): اسمها حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَنْزَلْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مبتدأة لا محل لها. {فِي لَيْلَةِ:} متعلقان بما قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب؛ أي: حالة كونه منزلا في ليلة، و {لَيْلَةِ:} مضاف، و {الْقَدْرِ:}
مضاف إليه. {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَدْراكَ:} فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (ما)، تقديره:«هو»، والكاف مفعول به أول. {ما لَيْلَةُ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعول (أدراك) الثاني المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام. وقال زاده: في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني، والثالث ل:(أدرى)؛ لأنه بمعنى (أعلم) و {لَيْلَةِ:} مضاف، و {الْقَدْرِ:} مضاف إليه، وجملة:{أَدْراكَ..}. إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:(ما أدراك...) إلخ مستأنفة.