للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه». متفق عليه، وقد ذكرت لك في الشرح الأوجه الثلاثة التي ذكرها الله في بيان فضلها.

تنبيه: لقد اختلف في تحديد ليلتها، والمعتمد: أنها في العشر الأواخر من رمضان، في ليالي الوتر على المعتمد أيضا، والراجح عند الشافعي: أنها في ليلة الواحد والعشرين، ثم في ليلة الثالث والعشرين. ومال إليه مالك، وأحمد، والأوزاعي، وأبو ثور-رحمهم الله تعالى- وأبو حنيفة-رحمه الله تعالى-ثبتها ليلة السابع والعشرين من رمضان، وقد استدل بما يلي:

فقد روى ابن عمر-رضي الله عنهما-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان متحرّيا ليلة القدر فليتحرّها ليلة سبع وعشرين». وقال أبي بن كعب-رضي الله عنه-: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:

«ليلة القدر ليلة سبع وعشرين». وقال أبو بكر الوراق: إن الله تعالى قسم ليالي هذا الشهر على كلمات هذه السورة، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها، فقال: هي، وأيضا، فإن (ليلة القدر) كرر ذكرها ثلاث مرات، وهي تسعة أحرف، فتجيء سبعا وعشرين.

هذا؛ وقد ذكرت في سورة (المؤمنون) رقم [١٤]: أن ابن عباس-رضي الله عنهما-ثبتها في الليلة السابعة والعشرين، واستدل بأشياء على ذلك انظرها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

وبالجملة فقد أخفى الله ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وجعلها أرجى ما تكون في ليالي الوتر منه، ولذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يجتهد في العبادة في العشر الأخير ما لا يجتهده في غيره، فعن عائشة-رضي الله عنها-؛ قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره». أخرجه مسلم. وعنها أيضا قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر. متفق عليه.

وعن عائشة-رضي الله عنها-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده. متفق عليه. وعن ابن عمر-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، متفق عليه، وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قلت: يا رسول الله! إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها. قال: «قولي: اللهمّ إنك عفوّ كريم تحبّ العفو فاعف عني». أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

هذا؛ وقال البغوي: وبالجملة أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في العبادة ليالي شهر رمضان كلها، طمعا في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، واسمه الأعظم في القرآن في أسمائه الحسنى، ورضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها، وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها، وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذرا من قيامها، وأخفى العبد الصالح بين العباد رحمة منه وحكمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>