للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم القيامة. ويعين القول الثاني قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها} فإن الإخراج إنما هو في النفخة الثانية، وكذا شهادتها بما وقع عليها إنما هو بعد النفخة الثانية، وكذلك انصراف الناس من الموقف إنما يكون بعد الثانية. تأمل. انتهى. جمل. ولا تنس قوله تعالى في سورة (الحج) رقم [١]: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}. هذا؛ و {زِلْزالَها} بكسر الزاي ويقرأ بفتحها مثل:

{الْوَسْواسِ} ونحوه.

{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها:} إظهار الأرض في موضع الإضمار لزيادة التقرير، فمن قال: إن الزلزلة تكون في الدنيا؛ قال: {أَثْقالَها:} كنوزها، وما في باطنها من الدفائن، والأموال، فتلقيها على ظهرها. يدل على صحة هذا القول ما روي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب، والفضة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه، فلا يأخذون منه شيئا». أخرجه مسلم.

والأفلاذ: جمع فلذة، وهي القطعة المستطيلة، شبه ما يخرج من باطنها بأقطاع كبدها؛ لأن الكبد مستور في الجوف، وإنما خص الكبد؛ لأنها من أطيب ما يشوى عند العرب من الجذور، واستعار القيء للإخراج، ومن قال بأن الزلزلة تكون يوم القيامة؛ قال: {أَثْقالَها:} الموتى، فتخرجهم إلى ظهرها. قيل: إن الميت إذا كان في باطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها، ومنه قيل للإنس، والجن: الثقلان؛ لأن الأرض تثقل بهم أحياء، وأمواتا، قالت الخنساء-رضي الله عنها-: [المتقارب]

أبعد ابن عمرو من آل الشّر... يد حلّت به الأرض أثقالها؟

هذا؛ ووصافات الأرض بالإخراج توسعا، ومجازا، وفي الحقيقة: أن المخرج لما ذكر هو الله تعالى. وانظر قوله تعالى في سورة (الانشقاق): {وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ}.

{وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها} أي: ما لها تزلزلت هذه الزلزلة العظيمة، ولفظت ما في بطنها؟! وفي الإنسان وجهان: أحدهما: أنه اسم جنس، يعم المؤمن، والكافر. وهذا على قول من جعل الزلزلة من أشراط الساعة، والمعنى: أنها حين وقعت لم يعلم الكافر: أنها من أشراط الساعة، فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك. والثاني: اسم للكافر خاصة، وهذا على قول من جعلها زلزلة القيامة؛ لأن المؤمن عارف بها، فلا يسأل عنها، والكافر جاحد لها، فإذا وقعت؛ سأل عنها، انتهى. خازن.

وجملة القول: إن الناس يستنكرون أمر الأرض بعد أن كانت قارة ساكنة ثابتة؛ وهم مستقرون على ظهرها؛ حيث تقلبت الحال، فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين، والآخرين، وحينئذ استنكر الناس أمرها {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>