للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من غدا يريد العلم يتعلّمه لله؛ فتح الله له بابا إلى الجنة، وفرشت له الملائكة أكنافها، وصلّت عليه ملائكة السّماوات، وحيتان البحر، وللعالم من الفضل على العابد كالقمر ليلة البدر على أصغر كوكب في السّماء، والعلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا، ولا درهما، ولكنّهم ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظّ وافر، وموت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسدّ، وهو نجم طمس، وموت قبيلة أيسر من موت عالم» رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة.

{قائِماً بِالْقِسْطِ} أي: بالعدل، ومعناه: أنه تعالى قائم بتدبير خلقه، كما يقال: فلان قائم بأمر فلان، يعني: أنه مدبّر له، ومتعهّد لأسبابه. {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} ذكرها للتأكيد، وفائدتها:

الإعلام بأنّ هذه الكلمة أعظم الكلام، وأشرفه. ففيه حثّ للعباد على تكرارها، والاشتغال بها، فإنه من اشتغل بها؛ فقد اشتغل بأفضل العبادات، وأعظم الطّاعات. وخذ ما يلي:

فعن غالب القطّان، عن الأعمش؛ قال: حدّثني أبو وائل عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله تعالى: عبدي عهد إليّ، وأنا أحقّ من وفّى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنّة». رواه الطّبراني في الكبير. وقال الخازن: وروى البغوي بسند الثعلبي عن غالب القطّان... إلخ، والمراد بصاحبها: الّذي يقول الآية.

وقد ورد في فضل الآية الكريمة أيضا: أنّ من قرأها عند منامه، وألحق بها قوله تعالى:

{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ} ثمّ قال: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة، وهي لي عند الله وديعة، فمات من ليلته؛ مات على إيمان كامل، ويجزيه بها ربّنا ما تقدّم في الحديث الشريف. وذكر القرطبيّ-رحمه الله تعالى-حديثا عن أنس-رضي الله عنه-بشأن قراءة الآية عند النّوم فيه مجازفات كبيرة، وضعفه ظاهر للعيان. والله أعلم، وأجلّ، وأكرم.

ذكر في سبب نزول الآية الكريمة: أنّه لمّا استقرّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة؛ وفد عليه حبران من أحبار الشام، فلمّا دخلا عليه؛ عرفاه بالصّفة، والنّعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال: «نعم».

قالا: وأنت أحمد؟ قال: «نعم». قالا: نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها؛ آمنا بك، وصدّقناك، فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلاني!» فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله.

فنزلت: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ..}. إلخ الآية، فأسلم الرجلان، وصدّقا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وخذ المحاورة اللّطيفة بين العقل، والعلم، حيث يقول القائل، وقد أحسن، وأجاد: [البسيط]

علم العليم وعقل العاقل اختلفا... من ذا الّذي منهما قد أحرز الشّرفا

فالعلم قال أنا أحرزت غايته... والعقل قال أنا الرّحمن بي عرفا

فأفصح العلم إفصاحا وقال له... بأيّنا الله في فرقانه اتّصفا؟

فبان للعقل أنّ العلم سيّده... فقبّل العقل رأس العلم وانصرفا

<<  <  ج: ص:  >  >>